الخميس 9 مايو 2024 مـ 10:36 صـ 1 ذو القعدة 1445 هـ
موقع هدف
موقع هدف
موقع هدف
موقع هدف
رئيس مجلس الأمناء مجدي صادقرئيس التحرير محمود معروفأمين الصندوق عادل حسين

هزيمة مزدوجة عبدالحليم قنديل

عبدالحليم قنديل
عبدالحليم قنديل

فى أى حرب تراعى فيها أبسط األخالقيات والقوانين المرعية ، تكون المستشفيات بعيدة عن أى قتال ، لكن جيش االحتالل فى حربه الهمجية الدائرة ، يحارب المستشفيات كأنها قالع مسلحة ، ويعتبر اقتحامه الوحشى لمبانى مجمع "الشفاء" انتصارا حربيا عظيما )!( ، ويفخر بإطالق الرصاص على المرضى والرضع واألطباء والنازحين المحتمين بحوائط أكبر مستشفيات مدينة "غزة" ، وعمره أطول من عمر كيان االحتالل نفسه ، فقد أقيم "مجمع الشفاء" عام 1946 ، أى فى ظل االنتداب واالحتالل البريطانى ، الذى سلم فلسطين لعصابات اإلرهاب والقتل الصهيونى . وربما ال يكون من وجه للعجب وال للتعجب ، ال من سلوك جيش االحتالل البربرى ، وال من سلوك "البيت األبيض" المنافق المتورط ، الذى أيد رئيسه اقتحام مستشفى "الشفاء" ، وبدعوى احتمال وجود أنفاق ومراكز قيادة لحركة "حماس" فى المستشفى أو تحت مبانيه ، وهى فرية رخيصة ، رددها كيان االحتالل من سنوات ، استنادا لما يسميه مصادر موثوقة )!( ، وبدت الغباوة ظاهرة فى أكمل معانيها ، مع إعادة تدوير الزعم نفسه قبل أسابيع ، وكأن حركة "حماس" ، وجناحها العسكرى الذى أذل جيش االحتالل ، وداس رءوس قادته ومخابراته وأجهزته األمنية ، كأن حركة "حماس" كانت تغفل عن االدعاءات "اإلسرائيلية" ، وتظل محتفظة بمراكز قيادة مفترضة فى مستشفى "الشفاء" ، أو فى أى مستشفى آخر ، وتنتظر لسنوات ساعة اقتحامها من جيش االحتالل ، وتسلم مراكزها طواعية لجيش االحتالل ، وال تنقل مراكز قيادتها المزعومة لمكان آخر )!( ، وقد طلبت حركة "حماس" مبكرا تحقيقا دوليا أو حتى أمريكيا فى المزاعم ، وتحدت "تل أبيب" ومعها "واشنطن" ، أن تكشف للناس حقيقة وجود أنفاق ومراكز قيادة مزعومة ، ولم تستجب "واشنطن" بالطبع ، برغم إدعاءاتها العريضة الكاذبة عن حماية المدنيين والمرضى وحقوق اإلنسان ، وكلها أكاذيب سقطت فى امتحان فلسطين وعذاب "غزة" وأهلها ، تماما كما سقطت وتسقط قبلها وبعدها أكاذيب ال تحصى ، لعل أشهرها كما يتذكر الكل ، زعم امتالك نظام صدام حسين ألسلحة دمار شامل ، الذى كلفوا الجنرال "كولين باول" وزير خارجية أمريكا األسبق ، أن يذيعه من فوق منبر األمم المتحدة وكان أداؤه ركيكا ، وقدم صورا لشاحنات نقل عادية ، قال بأن مخابرات بالده "اللوذعية" ، تؤكد أنها مخازن ألسلحة كيماوية وجرثومية محظورة ، وبعد أن تحقق الهدف بغزو العراق وتحطيم دولته ، عاد نفس أبطال العرض المسرحى الكذوب ، وأكدوا أنهم لم يجدوا شيئا مما أوهموا العالم بوجوده ، وكانت فضيحة ال تنسى ، هى ذات الفضيحة التى يرتكبها جيش االحتالل اإلسرائيلى اليوم ، مع إذاعة مشاهد مفبركة من "بدروم" فى مستشفى "الرنتيسى" لألطفال ، تتحدث عن ستارة معلقة على جدار كأنها سر حربى )!( ، وعن لوحة كهرباء باعتبارها باب الجحيم )!( ، وعن فتحة تهوية باعتبارها مدخال ألنفاق "حماس" تحت األرض ، وهو ما يكشف مجددا عن بؤس تفكير جيش االحتالل ، وعن التواطؤ الميكانيكى من "البيت األبيض" ، الذى ردد رئيسه كذبة قطع مقاتلى المقاومة لرقاب أطفال "إسرائيليين" ، ثم قال الحقا ، أنه لم يطلع على أى شريط "فيديو" يؤكد حدوث الواقعة ، وال سواها من مزاعم اغتصاب النساء فى هجوم 7 أكتوبر ، ثم لم يجرؤ الرئيس "جو بايدن" على االعتذار عن أخطائه الفادحة ، وال راجع نفسه أبدا ، وهو يرى بأم عينيه قتل جيش االحتالل آلالف مؤلفة من الرضع واألطفال والنساء فى "غزة" ، ويلجأ إلى صمت القبور، ومن دون أن يغلق "بالوعة" مزاعمه اإلنسانية األخالقية الكاذبة ، بل عاد إلى العزف "الببغائى " على أنغام األكاذيب "اإلسرائيلية" ، وتصوير المستشفيات الفلسطينية كأنها منشآت حربية ، يدخلها الجيش "اإلسرائيلى" كأنه قهر األعداء وحطم الحصون ، ويلتقط الصور التذكارية على أنقاض المبانى وجثث المدنيين ، أو فى بهو مبنى المجلس التشريعى الفلسطينى فى "غزة" ، وكأنه بذلك حقق هدف الحرب ، ووجه الضربة القاضية لحركة "حماس" ومقاتليها ، الذين يخرجون له من حيث ال يعلم ، ويدمرون آلياته العسكرية بالجملة ، ويقتلون ضباطه وجنوده ونخبته فى غمضة عين ، ويسخرون من ركاكة "الموساد" و"الشاباك" و"المخابرا ت المركزية األمريكية" معا ، وكلها صدعت أدمغتنا بتقارير عن وجود مركز قيادة "حماس" الرئيسى فى نفق تحت مبانى مجمع "الشفاء" ، وأنه ال بد من اقتحامه العتقال "يحيى السنوار" و"أبوعبيدة" و"محمد الضيف" ، واستعادة األسرى "اإلسرائيليين" واألمريكيين المحتجزين مع القادة فى ذات النفق الموهوم ، وفجر يوم االقتحام الموعود ، أعلن جيش االحتالل أنه ينفذ عملية محددة ودقيقة جدا ، ثم تمخض جبل التدبير والتخطيط والتنفيذ فولد فأرا "إسرائيليا" ، إذ لم يجدوا نفقا وال مركز قيادة وال أسرى وال يحزنون ، وكانت هزيمة مزدوجة لتل أبيب وواشنطن ، التى تنصلت من الجريمة كلها بعد فوات األوان وهنا جوهر المأزق الذى يواجه جيش االحتالل فى "غزة" ، فهو يدرك يقينا ، أن ليس بوسعه تعقب وإفناء المقاتلين المقاومين ، الذين ينصبون له كمائن الموت فى كل مكان ، ومن دون أن يعنى توغله البرى فى مدينة "غزة" وجوارها شيئا ، اللهم إال إتاحة الفرص للمقاومة القادمة من األنفاق ، واستدراج جيش االحتالل إلى حتفه من وراء أنقاض المبانى ، وحتى لو افترضنا جدال ، أن جيش االحتالل واصل الغوص فى رمال "غزة" ، وأقدم على إعادة احتاللها كلها إن استطاع ، فسوف يجد مصائد الموت فى انتظاره ، ولن يجرؤ ضباطه وجنوده على القتال وجها لوجه ، ومن المسافة "صفر" القاتلة ، ولن يستطيع ستر خيبته بجرائمه ، وتدميره للبشر والحجر وكل موارد الحياة ، ومهما قتل من المدنيين ، وحتى لو قتل خمسين ألفا ، فلن يصنع له ذلك صورة انتصار قابلة للتصديق ، وكل ما سيحدث ، أن دم الفلسطينيين المراق ، سيكون لهيبا مضافا ، يذكى شعور المقاومة ويعزز جيوشها ، ويضاعف رغبة االنتقام والقصاص العادل من المجرمين ، و"غزة" التى أرسلت "رابين" و"شامير" و"شارون" إلى مزابل التاريخ ، هى "غزة" ذاتها ، التى سترسل "نتنياهو" و"جاالنت" و"جانتس" إلى مكب النفايات نفسه ، و"غزة" الوالدة ألصلب حركات المقاومة ، سوف تلد من عذابها جيوشا جديدة ، وصرخة الجنرال "اسحق رابين" التى أطلقها ذات يوم ، وكان منطوقها "أتمنى أن أصحو من النوم . فأجد غزة غرقت فى البحر" ، ولن تغرق غزة فى البحر أبدا ، ولن يفنى سكانها أو يهاجرون ، وحين تخرج من عذابها اليوم ، ومن مآسى دماء أبنائها التى تسيل كاألنهار ، سوف تخرج منتصرة لروحها العفية التى ال تهمد ، وتعاود دورها التاريخى كقدس أقداس المقاومة الفلسطينية ، وقد أرغمت الجنرال "شارون" على الخروج وتفكيك المستعمرات اليهودية فيها ، وهى قادرة اليوم وغدا على تجديد وعدها البطولى ، وتهزأ بما يدبرونه لها ، فمن قلب مآسى ودمار غزة الرهيب ، يولد اليوم التالى المضئ لفلسطين كلها ، وهو قادم حتما مهما تلكأت المواعيد . والمحصلة فيما جرى ويجرى حتى اليوم ، وقد تعدت حرب "طوفان األقصى" يومها األربعين ، بينما يبدو الفارق ظاهرا بين النصر الحقيقى والنصر الرخيص المفتعل ، فقد يضع الجيش "اإلسرائيلى" علمه هنا أو هناك ، على مبنى أو على مستشفى ، لكن ذلك ال يعنى نصرا عسكريا وال سيطرة حقيقية دائمة لالحتالل ، الذى نفذ ما يفوق األلف مجزرة ضد أهل "غزة" ، وشن عليهم آالف الغارات اليومية الجنونية ، وادعى أنه أغلق المئات من فتحات األنفاق ، لكنه فى حساب السالح وموازينه ، دخل إلى متاهة ودوامة ، لن يعود منها سالما بإذن هللا ، فقد يملك المدافع والطائرات والصواريخ والقطع البحرية ، ويحصل على دعم وإسناد مباشر لحظى من واشنطن وحلف األعداء الغربى ، لكن ذلك كله مهما اجتمع وتساند ، ال يؤهل العدو لنصر حقيقى ، ولن يعالج جروح جيش االحتالل الغائرة ، وقد سقطت هيبته الموهومة صباح السابع من أكتوبر ، وثبت أن الهزيمة قدره الذى ال يرد ، وأن اإلذالل مصيره الباقى ، مهما بلغت عذابات شعب فلسطين فى "غزة" ، التى تحولت إلى فلسطين مصغرة مكثفة مقطرة ، فيها كل آالم الفلسطينيين ومعاناة أجيالهم ، وفيها كل صنوف المحنة الفريدة التى دهستهم عقودا ، لكنها صهرتهم وخلقتهم خلقا جديدا ، يذهل العالم بصالبته الروحية ، وبوالدته لمقاومين من طراز نادر ، ال تهزمهم الريح السموم مهما اشتدت ، وال يضرهم خذالن من خالفهم ، وال ظلم الدنيا مهما اجتمع عليهم ، ويكتبون بدمائهم فصول العودة إلى فلسطين التى حلموا بها ، وشفعوا حلمهم بعملهم المقاوم العبقرى ، الذى يصنع ما تصوره اآلخرون فى باب المستحيالت ، فغزة هى العنقاء والخل الوفى وقبلة الحرية فى صالة األوطان . [email protected]