الخميس 9 مايو 2024 مـ 06:08 صـ 1 ذو القعدة 1445 هـ
موقع هدف
موقع هدف
موقع هدف
موقع هدف
رئيس مجلس الأمناء مجدي صادقرئيس التحرير محمود معروفأمين الصندوق عادل حسين

زلزال العالم الجديد عبدالحليم قنديل

عبدالحليم قنديل
عبدالحليم قنديل

فى الوقت الذى نعيش فيه مآسى الأشقاء فى المغرب وليبيا ، ويتساقط ضحايانا بالآلاف مع اعصار "دانيال" والزلزال ، كانت زلازل السياسة الدولية تتوالى ، وكان زعيم كوريا الشمالية "كيم جونج أون" ، الذى لا يخرج من بلاده إلا فى القليل النادر ، يستقل قطاره المدرع العجيب ، ويمضى فى رحلة العشرين ساعة إلى روسيا ، ويلتقى الرئيس الروسى "فلاديمير بوتين" فى قاعدة "فوستوتشنى" الفضائية ، وبينما كان "كيم" بوجهه الطفولى المنتفخ ، يبدو فى غاية السعادة بلقاء "الرفيق" بوتين ، الذى التقاه لمرة سابقة وحيدة عام 2019 ، كان الكبار فى الإدارة الأمريكية يواصلون الصراخ وتوجيه التحذيرات ، ويتوعدون "كيم" بدفع الثمن غاليا ، وكأنه لدى واشنطن شيئا آخر تفعله ، بعد عشرات ومئات العقوبات التى فرضت على "بيونج يانج" ، وجعلتها ـ مع كوبا ـ أكثر بلدان الدنيا عزلة عن العالم الخارجى ، اللهم إلا من علاقات وثقى متكتم عليها مع الصين وروسيا . ولا تخفى دلالة خطوة "كيم" الجديدة ، ولا تعمد روسيا الاحتفاء بزيارته ، فقد زالت موانع الحرج ، ولم يكن بوسع "كيم" الذهاب لروسيا ، من دون التشاور مع جارته الكبرى وراعيته الأهم "الصين" ، وقد تراكمت ملامح شراكة استراتيجية متطورة ، تدمج كوريا الشمالية فى تحالف وثيق نامى بين الصين وروسيا ، تدافعت أماراته الكبرى منذ لقاء الرئيس الصينى "شى" مع "بوتين" ، على هامش دورة الألعاب الشتوية الأوليمبية فى بكين ، التى جرى افتتاحها فى 4 فبراير 2022 ، قبل عشرين يوما من بدء "العملية العسكرية الروسية" فى أوكرانيا ، وصدر عن القمة الشهيرة بيان تاريخى ، كان بمثابة اللحن الافتتاحى لإعلان التحول إلى عالم متعدد الأقطاب ، وبعدها بأكثر قليلا من عام ، التقى الرئيس الصينى مع حليفه "بوتين" فى موسكو أواخر مارس 2023 ، وقال "أن العالم يتغير كما لم يحدث من مئة سنة" ، ولم يكن المعنى مقصورا على قفزات العلاقات بين بكين وموسكو ، بل بإسهام العاصمتين الكبيرتين فى دفع التغيرات الدولية ، وهو ما قاد بعد شهور ، إلى توسع جماعة "بريكس" وضمها لست دول جديدة فى قمة جنوب أفريقيا ، ثم كانت المقاطعة الضاغطة من الرئيسين الصينى والروسى لقمة "العشرين" المنعقدة مؤخرا فى الهند ، وبما أدى إلى إخفاق واشنطن وأوروبا فى وضع عبارة "إدانة روسيا" بالبيان الختامى ، فقد أصبح عدد دول "بريكس" ـ القديمة والمضافة ـ مساويا لعدد الدول "السبع" ذات الميل الغربى فى مجموعة العشرين ، ولم تعلق بكين ولا موسكو كثيرا على ما جرى ، وإن واصلتا العزم على فعل المزيد ، الذى ربما نراه فى زيارة قريبة للرئيس الروسى إلى بكين ، وفيما تضرب واشنطن والغرب أخماسا فى أسداس عن حدود الشراكة الصينية الروسية ، وفى المجالات العسكرية والتقنية بالذات ، خصوصا بعد زيارة وزير الدفاع الصينى إلى موسكو قبل أسابيع ، وتدافع التساؤلات عن دور "بكين" فى تطوير البرنامج الروسى لصناعة الطائرات المسيرة ، وصمت موسكو وبكين عن الحقائق والأسرار العسكرية ، مع إعطاء بكين فسحة مرونة فى الموضوع الأوكرانى ، والحديث عن مبادرة السلام الصينية ، التى تنتقد توسع حلف "الناتو" باتجاه روسيا ، سواء بسواء مع رفض "بكين" لأحلاف أمريكا فى المحيط الهادى ، واستفزازاتها المتلاحقة فى بحر الصين الجنوبى وحفز انفصال "تايوان" عن البر الصينى ، ولجوء "بكين" إلى تنظيم مناورات "بحرية" وجوية مشتركة مع "موسكو" فى المحيط الهادى ، والامتناع الروسى الصينى عن تأييد أى عقوبات جديدة ضد كوريا الشمالية فى مجلس الأمن الدولى ، بل واستخدام تجارب "بيونج يانج" النووية والصاروخية كأداة ضغط على واشنطن واليابان وكوريا الجنوبية ، وهو ما يستفيد منه "كيم" ، بفرض قوته النووية كأمر واقع نهائى ، وبتطوير صواريخه "الباليستية" بعيدة المدى ، وبالأمل فى دعم موسكو لبرنامج "الأقمار الصناعية" العسكرية فى كوريا الشمالية ، والإفادة من انفتاح موسكو وبكين لتلبية رغبات وحاجات "بيونج يانج" الغذائية والاقتصادية ، ومن دون أن تخلو القصة من استدعاء للتاريخ لخدمة مصالح الحاضر والمستقبل ، فكوريا الشمالية مقابل غريمتها وشقيقتها "الجنوبية" ، كانتا نتاجا للحرب الأهلية الكورية ، التى استمرت إلى نهايات يونيو 1953 ، ومن دون عقد اتفاق سلام دائم ، بل بخطوط هدنة قائمة حتى اليوم عند الحدود المتوترة ، وكانت "واشنطن" داعمة ولا تزال للطرف الجنوبى ، بينما دعمت الصين وروسيا (الاتحاد السوفيتى وقتها) قوات الطرف الشمالى ، ولم تفلح محاولات توحيد "الكوريتين" ، بعد نهاية الحرب الباردة القديمة ، وفيما نهضت كوريا الجنوبية على نحو متسارع ، وباتت واحدة من اقتصادات العالم الكبرى ، بينما أغلقت كوريا الشمالية الأبواب والنوافذ ، وظلت على عقيدتها الشيوعية الخاصة ، وأفرغت طاقتها فى التطوير العسكرى فالنووى ، وراكمت كميات هائلة من الذخيرة والأسلحة المصنعة على أساس النماذج الروسية "السوفيتية" ، وكما لجأت واشنطن لاستنزاف مخازن الذخيرة فى كوريا الجنوبية ، ونقلها إلى ميدان حرب أوكرانيا ، فهكذا تفعل روسيا اليوم الأمر نفسه ، ولا تتخفى بسعيها لجلب الذخيرة من مخازنها المليونية فى كوريا الشمالية ، خصوصا مع تطابق العيارات ونظم المدفعية عموما ، واعتراف كوريا الشمالية بحق روسيا فى ضم الأراضى الأوكرانية ، وهو ما يثير المخاوف وربما الفزع عند واشنطن والغرب عموما ، فالذخيرة المتراكمة عند "بيونج يانج" ، فوق إنتاج المصانع الروسية الكثيف بثلاث ورديات يوميا ، تكفى روسيا لمد أجل حربها فى أوكرانيا لسنوات ، فوق ما يبدو من استعداد "كيم" لنقل قوات تعمل إلى جانب روسيا ، إما بصورة نظامية أو كمرتزقة حرب ، ولا تبدو من ممانعة عند موسكو ، التى توسع نطاقات "المتعاقدين" مع الجيش الروسى من الروس أو من غيرهم ، حتى من "كوبا" البعيدة ، فالخطة الروسية على ما يبدو ، تسعى لاستبقاء الهيكل الأكبر للجيش الروسى وقواته الصاروخية والنووية ، بعيدا عن الميدان الأوكرانى ، وربما استثمارها فى الإعداد لخوض حرب عالمية ثالثة ، قد تنزلق إليها التطورات الجارية ، مع أى خطأ وارد فى الحساب ، ويبدو التصور الروسى منتجا حتى اليوم ، خصوصا مع الفشل المبين للهجوم المضاد ، ونجاح روسيا فى الاحتفاظ بأراضى أوكرانيا التى ضمتها ، وفى حرق الأسلحة الغربية المتطورة ، والإخفاق الظاهر فى خطط عزل روسيا ، التى تمد علاقات شراكة إلى مستوى التحالف العسكرى مع "بكين" و"بيونج يانج" وربما "طهران" ، وتبنى تحالفات اقتصاد وبترول وغاز طبيعى مؤثرة ، وتكسب سياسيا فى آسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط ، وفى قلب أفريقيا ، التى تتوالى فيها انقلابات السياسة والسلاح ، وتخلع عن نفسها الكثير من نير التحكم الغربى بمصائرها ، وتدخل فى دوامة تغيرات عالم جديد ، لن تكون واشنطن فيه الآمر الناهى كما تعودت لعقود ، بل محض "قوة عظمى" بين متعددين ، لن تكون أولاهم بالتأكيد ، مع زحف موسكو إلى اختراق عسكرى فى أوروبا ، وزحف الصين اقتصاديا وتكنولوجيا إلى عرش العالم . "دانيال" والزلزال : وكأن العرب ينقصهم المزيد من المآسى ، فقد تدافعت صور دمار يفطر القلوب ، من زلزال المغرب فى إقليم "الحوز" غرب "مراكش" ، وإلى عصف إعصار "دانيال" فى مدن الشرق الليبى ، والشهداء فى البلدين بعشرات الآلاف حتى اليوم . وربما لا تكون أحاديث السياسة ، ولا نقد الحكومات ، ولا سواه مما يستساغ فى حضرة الكوارث الطبيعية ، ولا حتى التنطع فى تفسيرات المسوح الدينية ، من نوع ما ذهب إليه معمم معروف فى العراق ، اعتبر نكبة الليبيين عقابا إلهيا على تغييب الإمام الشيعى "موسى الصدر" ، واعتبر زلزال المغرب عقابا على سلوك سياسى . مثل هذه الأفواه ، يجب أن تغلق بالضبة والمفتاح ، ولا يلتفت إلى أقوالها البائسة فى هذه الظروف ، فواجب الوقت هو التضامن الأخوى الصادق ، وبذل أقصى الجهد فى مد يد العون للمنكوبين ، وجبر الضرر المريع ، الذى لحق بالإخوة المغاربة والليبيين ، وفى ذلك فليتسابق المتسابقون ، ومن دون أدنى التفات إلى طبائع الحكومات والانقسامات السياسية ، فالضحايا من شعوب الأمة لا من حكوماتها وحكامها ، الضحايا تحت الركام فى قرى "المغرب" الجبلية ، وغمرتهم سيول الإعصار فى مدن الشرق الليبى ، وفى درنة بالذات ، التى تلاشت معالمها الجميلة ، وجرفتها مياه الإعصار مع البيوت والجثث إلى عرض البحر . ومع تداعى المشاهد المرعبة ، والأحزان التى تعتصر القلوب ، لايصح أن نحول المأساة إلى ملهاة ، وأن نفتح أسواق المزايدات والمناقصات فى تفاسير السياسة والدين ، وفى تصوير كوارث الطبيعة كانتقام إلهى من الفقراء والمساكين ، والعياذ بالله سبحانه مما يخرصون ويهرفون ، ومن إصدار فتاوى سياسية عن خلافات "المغرب" و"الجزائر" ، ورش الملح على الجراح المفتوحة فى أوقات الموت بالجملة . [email protected]