الخميس 9 مايو 2024 مـ 09:05 صـ 1 ذو القعدة 1445 هـ
موقع هدف
موقع هدف
موقع هدف
موقع هدف
رئيس مجلس الأمناء مجدي صادقرئيس التحرير محمود معروفأمين الصندوق عادل حسين

هزيمة الغرب الأوكرانية عبدالحليم قنديل

عبدالحليم قنديل
عبدالحليم قنديل

حرب أوكرانيا تزحف إلى نهايات عامها الثانى ، ومن اليوم وحتى موعد الذكرى المقبلة لبدء الحرب فى 24 فيراير 2024 ، لا تبدو حظوظ الغرب سعيدة فى الميدان الأوكرانى ، فقد انتهى وقت الاستحفاف بالروس فى عام الحرب الأول ، وبدا الروس من بعدها فى حال الكمون ، اللهم إلا من معارك سيطرة "فاجنر"على "سوليدار" و"باخموت" فى مفرمة لحم مريعة ، بينما راح الروس بعد ضربة "خاركيف" ، وقرارهم بترك غرب "خيرسون" أواخر العام الماضى ، راحوا يعدون لشئ آخر ، يجدد الاستفادة من دروس الحرب العالمية الثانية ، وبنوا خطوط دفاع حصينة على جبهات القتال ، كان صاحب الفضل فيها الجنرال "سيرجى سوروفيكين" ، وهو الملقب فى روسيا بالجنرال "هرمجدون" أو جنرال يوم القيامة ، وقد نجح الرجل فى إعادة تنظيم شاملة ، وجعل من نهر "دنيبرو" مانعا مائيا طبيعيا ، وبهدف خفض الخسائر البشرية لقواته إلى الحد الأدنى ، وهو ما بدا هدفا للجيش الروسى كله فى العام الثانى ، مقابل استنزاف مهلك للخصم فى الجنود والمعدات ، على النحو الذى بدا ظاهرا فيما بعد ، حين بدأ الغرب هجومه "المضاد" من وراء قناع أوكرانى بعد طول انتظار ، وبعد وعود متعجرفة بطرد الروس من "الدونباس" ومن شبه جزيرة "القرم" ، بدت كلها سرابا ، بعد نحو أربعة شهور من بدء الهجوم الذى تحول إلى حفرة سوداء ، تبتلع عشرات الآلاف من الجنود ، وإلى محرقة مرعبة لأسلحة الغرب فائقة التطور ، وبدت محارق دبابات "ليوبارد ـ 2" و"تشالينجر ـ 2" وغيرها ، وكأنها جنازات حارة لسمعة الأسلحة الغربية ، التى قدم "الناتو" منها 600 نوعا ، تضاف إليها صواريخ "أتاكمز" الأمريكية و"توروس" الألمانية ودبابات "أبرامز" وطائرات "إف ـ 16" وغيرها ، التى توعدها "الكرملين" بأن تلقى مصير المحارق نفسه . وبعيدا عن تفاصيل المعارك اليومية ، لا يبدو المشهد العام مبشرا بفرصة لنجاح الغرب ، وقد حدد هدفه من البداية ، وفى تصريحات رسمية تماما ، جعلت الهدف إضعاف روسيا وتفكيكها ، ومحو عصر الرئيس "فلاديمير بوتين" ، ودفع الروس لإزاحته عن الحكم ، وقد سرت نغمة تفاؤل فى عام الحرب الأول ، أغرت بها اضطربات وعشوائيات أداء للجيش الروسى ، وقرارات الانسحاب من حصار "كييف" ، ثم الانسحاب المخزى من شرق مقاطعة "خاركيف" ، والاستهتار الروسى بعنف وقوة المقاومة الأوكرانية المدعومة من الغرب ، التى تغلب عليها الروس بصعوبة فى مدينة "ماريوبول" ، وحولوا "بحر آزوف" إلى ملكية روسية خالصة ، لكن المتاعب اللوجيستية للروس ظلت ظاهرة ، ودفعت قادة غربيين لإعلان نصر متعجل ، ترجمه القول بأن الجيش الروسى تكشفت حقيقته ، وأنه لم يعد الجيش الثانى فى ترتيب جيوش العالم ، بل "الجيش الثانى" فى أوكرانيا ، ثم إطلاق تعبير أنكى ، يصف "الجيش الروسى" بأنه فى الترتيب الثانى داخل روسيا نفسها ، فى إشارة إلى ما تصوروه من تفوق جماعة "فاجنر" وقت زحفها إلى موسكو أواسط العام الجارى ، وفيما عرف بصفة "انقلاب فاجنر" ، ثم تكشفت الغشاوات كلها ، وتلقى الغرب أكبر مقلب شربه فى الصراع ، وظهر أن "بوتين" تصعد شعبيته وقوته فى ثبات مذهل ، خصوصا بعد احتراق "يفجينى بريجوجين" ـ قائد فاجنر ـ فى حادث طائرة غامض ، ثم بدت خيبة التوقعات الغربية عظيمة ، مع الأداء المتفوق للجيش الروسى فى صد الهجوم المضاد ، وفى إدارة خطة دفاع نشط ، جعل الغرب يقيم الليالى الملاح لمجرد تقدم الجيش الأوكرانى بضعة أمتار ، وفى قرى صغيرة مهجورة ، مثل "رابوتين" فى "زباروجيا" أو "كليشفكا" جنوب غرب "باخموت" وأمثالها ، وكلها تقع فى مناطق الكر والفر الرمادية على خطوط التماس ، ولا تعنى اختراقات من أى نوع لخطوط الدفاع الروسية ، فقد صاغ الروس خطتهم ببساطة ، وجعلوا الهدف الأول فى استنزاف الأوكران وأسلحتهم الغربية ، وهو ما حققوا فيه إنجازا باهرا ، تجاوز معنى إفشال الهجوم المضاد ، وجعل أوكرانيا تصرخ من تبديد الموارد البشرية العسكرية ، وإلى حد دفع رئيس الإدارة العسكرية فى مقاطعة "بولتافا" الأوكرانية مثلا ، إلى إصدار ما يشبه النعى الصادم للجيش الأوكرانى ، قال : أن ثمانين إلى تسعين بالمئة من المجندين من مقاطعته قتلوا ، وقس على ذلك ما جرى لكل القوات ، وبالذات قوات النخبة الأوكرانية ، التى تزهق أرواحها بالجملة فى مصائد الروس ، وتجعل الحشد من أجل الحرب بالغ الصعوبة ، ولأن الهزيمة يتيمة ، فقد راح الرئيس الأوكرانى "فولوديمير زيلينسكى" يقيل معاونيه بالجملة ، ربما لينجو برأسه ويحملهم عار الهزيمة ، على طريقة إقالته لكل مسئولى إدارات التجنيد العسكرى فى المقاطعات ، ثم إقالة وزير الدفاع "ريزنيكوف" وستة من نوابه السبعة ، واتهامهم جميعا بالفساد والسرقات وخراب الذمم ، وتصور أن بوسعه إعادة تقديم نفسه للغرب ، وطلب مدد جديد لا ينقطع ، تناهز قيمته إلى اليوم نحو خمسمائة مليار دولار ، قدمت واشنطن أكثر من ثلثها ، وذهب "زيلينسكى" إلى أمريكا فى حملة ابتزاز واستجداء جديدة ، لكنه لم يلق الاحتفاء الذى حظى به فى ديسمبر 2022 ، حين ألقى خطابه الشهير فى الكونجرس ، وتقمص روح الزعيم البريطانى "ونستون تشرشل" ، لكن الكونجرس رفض هذه المرة طلبه بإلقاء خطاب مماثل ، وبدعوى أن المشرعين الأمريكيين مشغولون بقضايا أخرى ، فيما وعده الرئيس الأمريكى "جو بايدن" بسرعة تسليم دفعة من دبابات "أبرامز" ، وصلت لأوكرانيا بالفعل ، وبعدد 11 من إجمالى 31 دبابة فقط ، لا تعنى خطرا منظورا على القوات الروسية ، التى تنتظر احتفالها بإرسال "أبرامز" إلى الجحيم ، ولا يبدو أن "بايدن" سيتمكن بسلاسة من توفير 24 مليار دولار ، وعد بها لدعم أوكرانيا عام 2024 ، مع أنه فى مأزق يشبه مأزق "زيلينسكى" ، فهو على عتبة عام الانتخابات الرئاسية ، ويريد أن يثبت جدوى رهانه فى أوكرانيا ، بينما يتراجع تأييده فى دوائر الرأى العام ، وينتظر حدوث معجزة صعبة التحقق على ما يبدو ، لا تجلبها المبالغات الدعائية فى انتصارات موهومة ، على طريقة ما جرى فى الهجمات المنسقة على شبه جزيرة "القرم" ، وإعلان أوكرانيا عن مقتل قائد الأسطول الروسى فى البحر الأسود الأدميرال "فيكتور سوكولوف" ، ثم ظهور الأدميرال فى اجتماع بالفيديو صباح اليوم التالى مع وزير الدفاع الروسى "سيرجى شويجو" (!) ، وبدا اللجوء الغربى إلى تصديق أكاذيب الأوكران وخرافاتهم مفهوما ، فهم يتعلقون بقشة ، ويرغبون فى التعويض النفسى عن خيبة الأمل فى الواقع العسكرى ، بينما يبدو الروس فى حال الثقة المتزايدة ، فقد قرروا من شهور ، أنهم مستمرون فى الحرب لأعوام ، وأعادوا بناء وتنشيط صناعاتهم العسكرية ، وصنعوا أجيالا جديدة من الطائرات المسيرة "الانتحارية" ، ويحاربون فى أوكرانيا بعدد من القوات لا يتجاوز المئتى ألف ، أغلبهم من المتطوعين والمتعاقدين ، بينما يحتفظون بالجانب الأعظم من الجيش الروسى خارج الميدان الأوكرانى ، ربما استعدادا لاحتمالات توسع الحرب ، وانزلاق الحوادث إلى مواجهة مباشرة مفتوحة بين روسيا وتحالف "رامشتاين" المكون من خمسين دولة ، وقد بدت استعدادات الروس مذهلة للدوائر والميديا الغربية ، فلم تتأثر روسيا كثيرا بعقوبات الغرب الاقتصادية ، وبدت قادرة على مضاعفة انفاقها العسكرى ، وتمويل عمل مصانعها العسكرية لثلاث ورديات فى اليوم ، وهى تنتج فى العام الواحد ما يصل إلى ثلاثة ملايين قذيفة مدفعية ، فوق طفرات التطور التكنولوجى فى المعدات والصواريخ والطائرات ، بينما لا تستطيع دول "الناتو" مجتمعة ، أن توفر مليون قذيفة لأوكرانيا فى العام ، وتبدو عليها علامات الإرهاق والتململ من ثقل الأعباء الحربية ، وإلى حد وصف الرئيس البولندى "أندريه دودا" للرئيس الأوكرانى ، بأنه مثل غريق يشد معه إلى القاع كل من يتقدم لمساعدته (!) . وبالجملة ، فقد تطيل الأسلحة الغربية المتدفقة كالسيل ، من القذائف العنقودية إلى قذائف اليورانيوم المنضب ، إضافة للصواريخ بعيدة المدى على اختلاف مصادرها ، وجيوش الفيالق الأجنبية ، والخبراء والمخططين الغربيين وخدمات الأقمار الصناعية بما فيها شبكة "ستار لينك" ، والمشاركة الأمريكية الميدانية فى الهجمات على "القرم" بالذات ، قد يطيل ذلك كله وغيره من زمن الصدام العسكرى ، لكنه ـ غالبا ـ لن يغير المقادير النهائية للحرب ، ولن يسعف الغرب فى محنة ورط فيها نفسه ، وأراد أن يحول أوكرانيا إلى "أفغانستان" أخرى للروس ، فإذا بها تتحول إلى "أفغانستان ثانية" للامريكيين ولحلف "الناتو" ، فقد توارى حلم هزيمة الروس ، الذين يبدون ثقة وصبرا وتطورا ، يستلهم الدروس من الهزائم ، ويحولها إلى وقود للنصر ، وفى كل الحروب التاريخية الكبرى مع الروس ، كانوا يهزمون فيهزمون ويهزمون ، لكنهم لا يتراجعون أبدا عن هدف تحقيق النصر الأخير . [email protected]