السبت 4 مايو 2024 مـ 11:28 صـ 25 شوال 1445 هـ
موقع هدف
موقع هدف
موقع هدف
موقع هدف
رئيس مجلس الأمناء مجدي صادقرئيس التحرير محمود معروفأمين الصندوق عادل حسين

توابع زلزال إردوغان عبدالحليم قنديل

الكاتب الصحفي عبد الحليم قنديل
الكاتب الصحفي عبد الحليم قنديل

توابع زلزال إردوغان عبدالحليم قنديل ربما لا يجادل عاقل فى امتياز الانتخابات التركية الأخيرة ، وبالذات فى الانتخابات الرئاسية ، فقد وصلت نسبة المشاركة بالتصويت فى الجولة الأولى إلى 87% من الناخبين ، وتراجعت قليلا فى الجولة الثانية إلى 83% ، وكلها نسب تصويت مهولة ، وفاز الرئيس "رجب طيب إردوغان" بزائد 2% من الأصوات فوق حاجز النصف ، بينما خسر مرشح المعارضة "كمال كليشدار أوغلو" بناقص 2% من الاصوات تحت الحاجز نفسه ، وهو ما يبرز استقطابا محتدما فى المجتمع التركى ، محوره شخص "إردوغان" نفسه ، وبأكثر من خرائط الخلاف السياسية والثقافية والاقتصادية ، على نحو ما بدا فى دعم القومى المتطرف "سنان أوغان" لإردوغان فى الجولة الثانية ، فى حين أيد رفيقه القومى الأكثر تطرفا "أوميت أوزداغ" مرشح المعارضة "أوغلو" . ومن الخطأ قراءة الانتخابات التركية بخلفيات عربية ، فالرئيس "إردوغان" ، الذى حكم تركيا لعشرين سنة ، يكملها إلى ربع قرن بعد فوزه الأخير ، ليس "إسلاميا" ولا "إخوانيا" بمعانى الطبعات العربية ، صحيح أنه من جذور إسلامية محافظة فى السياسة التركية ، وكان من تلاميذ المهندس "نجم الدين أربكان" ، الذى لاحقته مواريث "كمال أتاتورك" ، وألغت أحزابه الواحد تلو الآخر ، لكن "أربكان" كان براجماتيا بما يكفى ، وشارك فى حكومات علمانية ، وإلى أن أصبح زمن حزب "الرفاه" رئيسا للوزراء بالمناصفة مع اليمينية العلمانية "تانسو تشيلر" ، التى اعتزلت السياسة فيما بعد ، وأعربت عن دعمها لإردوغان فى الانتخابات الأخيرة ، فى حين لم يستمر "أربكان" طويلا فى رئاسة الحكومة التركية ، وجرى انقلاب ناعم عليه ، حل حزبه "الرفاه" ، وأنشأ بعده حزب "السعادة" ، الذى رفض "إردوغان" ورفاقه الشبان وقتها الانضمام إليه ، وخرجوا على وصايا الأب ، وأسسوا "حزب العدالة والتنمية" ، المتخفف من إرث "أربكان" ، والمنفتح على ضم فئات أوسع من اليمين القومى التركى ورجال الأعمال ، وبدا فى صيغة "محافظة" ، لا ترفع شعار تطبيق الشريعة ، بل تكتفى بفك القيود على ارتداء النساء للحجاب ، مع ترك الحياة التركية على حالها "العلمانى" المتفلت ، مع دمج الحريات الدينية فى بنية علمانية "إردوغان" على الطريقة "الأنجلوساكسونية" ، الألطف من علمانية "الفرانكوفون" المعادية على نحو ثأرى للأديان ، وفى حين هجر "إردوغان" طريق أستاذه "أربكان" ، الذى نعته بأوصاف قاسية قبل رحيله ، لم تؤثر كثيرا فى مسيرة صعود الإبن ، الذى اتجه لإضفاء صفة "عثمانية" قومية على عمله ، ربما مواصلة لخط سلفه "تورجوت أوزال" ، الذى مات فى ظروف غامضة ، وكان جوهر سعيه "العثمانى" ، أن يحيى جذور النزعة التركية فى بلدان آسيا الوسطى ، وهو ما واصله "إردوغان" ، الذى كان عربون نجاحه فى إنهاض الاقتصاد ، وجعل تركيا واحدة من أكبر عشرين اقتصادا فى العالم ، وأضاف لسعيه "العثمانى" امتدادا تركيا إلى الجنوب فى العالم العربى ، وتعامل ببراجماتية اقتصادية مع النظم العربية الحاكمة ، وحين جرت ثورات على بعضها ، بدت له فرص التوسع فى النفوذ الأكبر ممكنة ، فى أوائل العقد الثانى من حكمه ، مع ما بدا من صعود لجماعات "إخوانية" إلى كراسى الحكم ، ثم كان ما كان ، وأدى إلى ذبول ظواهر الحكم "الإخوانى" ، مما عانده "إردوغان" لسنوات قطيعة ، عاد بعدها الرجل برشاقة إلى سيرته الأولى ، وأعاد وصل ما انقطع مع خصومه ، وانتهج ذات سياسته الأولى ، وهو ما بدا من تطورات السنوات الأخيرة ، وتحسن علاقاته تباعا مع نظم الخليج ومصر وسوريا وغيرها ، فالأساس فى حركته ، هو المعنى القومى التركى المحافظ ، وهو ما يفسر طبيعة تحالفاته فى الداخل ، وتكوين "تحالف الجمهور" الذى يقوده ، والمكون أساسا ـ إضافة لحزبه ـ من "الحركة القومية" و"حزب الرفاه الجديد" و"حزب هدى بار" الكردى ، وقد تراجع حزب إردوغان قليلا فى انتخابات البرلمان الأخيرة ، وحصل على 267 مقعدا مقابل 295 مقعدا كانت له ، لكن مقاعد الحلفاء ضمنت الأغلبية بواقع 325 مقعدا ، فى برلمان مكون من 600 عضو ، فى حين حصلت طاولة المعارضة السداسية على 213 مقعدا ، قد تضاف إليها مقاعد تحالف "العمل والحرية" البالغة 66 مقعدا ، والأخير يقوده حزب "الشعوب الديمقراطى" الكردى ، الذى جرى حظره بعد سجن زعيمه "صلاح الدين دميرطاش" ، وجرى استبدال الاسم إلى "حزب اليسار الأخضر" ، وكان الحزب الكردى الرئيسى وراء دفع أنصاره لدعم مرشح المعارضة "كمال أوغلو" ، مع انخفاض الدعم الكردى فى جولة الانتخابات الثانية ، ربما غضبا من لجوء "أوغلو" لطلب دعم القوميين الأتراك المتطرفين ، وفى حين بدا تحالف "إردوغان" أكثر اتساقا فى تكوينه ، وجامعا بين الاتجاه الثقافى المحافظ والاتجاه القومى ، فقد بدا تحالف "أوغلو" السداسى أو "السباعى" خليطا غير مريح ، ومفرطا فى الانتهازية ، فقد جمع العلمانيين المتطرفين من "حزب الشعب الجمهورى" الأتاتوركى وحزب "ميرال أكشنار" القومى والحزب الكردى ، إضافة لأحزاب محافظة من نوع "حزب السعادة" وحزبى "أحمد داود أوغلو" و"على بابا جان" ، والأخيران كانا قد انشقا عن حزب "إردوغان" ، وإن احتفظا بالسمت المحافظ نسبيا ، وبدا أغلب سعيهما "البراجماتى" وراء الحصول على مقاعد فى البرلمان ، وتخطى العتبة الانتخابية من تحت غطاء حزب "الشعب الجمهورى" ، الذى أعطى لهما ـ ولحزب السعادة "الإسلامى" ـ من حصته البرلمانية الكثير ، وكانت الحسبة فى عمومها خاسرة ، لم يحقق فيها "أوغلو" نصرا ، سوى أنه دفع "إردوغان" لخوض جولة إعادة للمرة الأولى فى تاريخ انتخابات الرئاسة التركية ، وإن بدت السابقة مفيدة دعائيا لإردوغان ، ومضعفة لاتهامه بالديكتاتورية والاستبداد وسحق المعارضين ، فقد لامس خصمه "أوغلو" حاجز النصف أو كاد ، برغم كونه متقدما فى السن على "إردوغان" ، وعديم الجاذبية الشخصية تماما ، ومن الطائفة "العلوية" الأصغر فى مجتمع "سنى" بغالبه ، وربما لو كان المرشح المعارض من نوع "أكرم إمام أوغلو" عمدة أسطنبول ، الأكثر شبابا وكاريزمية ، لتغيرت النتائج ، مع وفود أكثر من خمسة ملايين شاب ، بعد خفض سن التصويت إلى 18 سنة ، والمزاج الغالب بين المصوتين الجدد ، هو رفض إردوغان وسياسته "المحافظة" ، وقد بدا لهؤلاء تأثير محسوس نسبيا فى الانتخابات الأخيرة ، ربما يتزايد فى انتخابات البلديات المقررة بعد سنة ، يحلم فيها "إردوغان" باستعادة بلدية "اسطنبول" ، التى بدأ منها رحلة صعوده السياسى ، وأطلق تصريحه الشهير "من يفوز فى اسطنبول يحكم تركيا" . وقد تكون المعضلات الداخلية متضخمة أمام "إردوغان" ، وأولها وضع الاقتصاد ، الذى يترنح بشدة ماليا ونقديا ، وإن كان طابعه الإنتاجى صامدا ، فوق الامتياز التركى المستحدث فى الصناعات العسكرية والتكنولوجية ، وهذه وغيرها من شواغل الشعب التركى دون غيره ، لكن آثار ما جرى على السياسة الإقليمية والدولية ، هى ما يشغل بال غير الأتراك ، وقد تجرى عليها تغيرات ملموسة فى قابل الأيام ، من نوع اندفاع أكبر للحكومة التركية للتطبيع مع النظام السورى ، وربما نهاية السنوات السعيدة لملايين اللاجئين السوريين فى تركيا ، وقد كان السباق إلى هدف طرد اللاجئين عموما ، والسوريين منهم بالذات ، هو القاسم المشترك بين التحالفات المتصارعة انتخابيا ، مع خلاف فى التفاصيل ، وطرق التخلص من اللاجئين ، وما من فارق عملى بين "أوغان" الذى أيد "إردوغان" ، و"أوزداغ" الذى دعم منافسه "أوغلو" ، كلاهما يطلب طرد السوريين فورا ، وفى غضون سنة على الأكثر ، وهذا هو الوجه الأخطر للاتفاقات الضمنية ، وقد نشهد فى الفترة المقبلة للأسف تزايدا فى حوادث العنف "العنصرى" تجاه السوريين المقيمين فى تركيا ، ، إضافة لتوقع ضعف التجاوب التركى مع ائتلافات المعارضة السورية إياها ، وهو ما قد يمتد إلى سواها من بقايا "معارضات "عربية أخرى ، مع التحسن المطرد فى العلاقات السياسية والاقتصادية مع نظم المنطقة ، وبالذات فى العلاقات المصرية ـ التركية ، وفى العلاقات طبعا مع دول الخليج الأغنى بفوائض البترول المالية ، و"تصفير" مشاكل كثيرة ، ليس من بينها ـ غالبا ـ تواصل المطاردات التركية المسلحة لجماعات الأكراد فى شمال العراق وسوريا ، فوق احتمال تصاعد نبرة العداء لأمريكا والغرب عموما فى تركيا ، برغم أنها عضو قديم بالغ الأهمية فى حلف شمال الأطلنطى "الناتو" ، وقد كان الغرب يأمل بوضوح فى إزاحة "إردوغان" ، وجاء فوزه فى مقام الهزيمة لأمريكا ، ولإدارة "جو بايدن" بالذات ، ربما لرفضه الانخراط فى سلاسل العقوبات ضد روسيا بسبب حرب أوكرانيا ، وانفتاحه على علاقات "حارة" مع الرئيس الروسى "فلاديمير بوتين" ، ودعمه لاتفاقات الحبوب وخطوط الغاز الروسى إلى تركيا ، وقفزات التبادل التجارى والاقتصادى والعسكرى مع موسكو ، وهو ما يثير حنق أمريكا والغرب على الشريك المخالف . [email protected]