الخميس 28 مارس 2024 مـ 08:36 مـ 18 رمضان 1445 هـ
موقع هدف
موقع هدف
موقع هدف
موقع هدف
رئيس مجلس الأمناء مجدي صادقرئيس التحرير محمود معروفأمين الصندوق عادل حسين

عصر جديد.. الموتى يعودون من «بوابة الذكاء الاصطناعى»

الذكاء الاصطناعى
الذكاء الاصطناعى

فى المسلسل الأجنبى الشهير «Black Mirror» ناقشت إحدى الحلقات فكرة عودة شخص من الموت، والتى بدت خيالية بالنسبة لبطلة الحلقة، لكنها فى النهاية اقتنعت فى ظل شوقها الكبير لزوجها المتوفى.

ووفقًا لأحداث الحلقة، دخلت الزوجة إلى موقع إلكترونى، ثم زودته بكل المعلومات الخاصة بزوجها، بما فيها صورهما وذكرياتهما سويًا، وظلت فى انتظار النتيجة لعدة أيام، إلى أن وصلها «طرد» عبارة عن صندوق كبير داخله «نموذج مجسم» طبق الأصل من زوجها. كان «النموذج» حقيقيًا لدرجة أنها صدّقت عودة زوجها إلى الحياة من جديد، خاصة بعد تشغيله، وتعامله معها وفقًا للذكريات التى زودته بها، لكنها بعد أيام قليلة أوقفت نشاطه لأنه لم يعطها الإحساس البشرى الذى من خلاله تستطيع استكمال الحياة. تلك القصة لم تعد بين سطور الدراما فقط، بل انتقلت إلى أرض الواقع.. وكان السؤال الكبير: هل يجوز ذلك من الناحية القانونية والأخلاقية؟ فى السطور التالية تجرى «الدستور» بحثًا عن آليات «تقنين» استخدام تقنيات «الذكاء الاصطناعى» فى المجالات المختلفة، ولمعرفة إذا ما كانت هناك تشريعات ضابطة لهذه الاستخدامات أم لا، وكيفية حفظ حقوق الملكية الفكرية للأشخاص الذين لم يعد لهم وجود فى الحياة.

عودة أم كلثوم بأغنية من ألحان عمرو مصطفى وإنتاج «AI»

فاجأ الملحن عمرو مصطفى متابعيه، قبل أيام، بالإعلان عن عزمه طرح أغنية جديدة «تغنيها أم كلثوم»، من ألحانه وإنتاج «الذكاء الاصطناعى Artificial intelligence‏».

ونشر «مصطفى» مقطعًا من الأغنية، عبر حسابه الرسمى فى «فيسبوك»، معلقًا عليه: «تعالوا نسمع سوا صوت كوكب الشرق أم كلثوم من ألحان عمرو مصطفى.. قريبًا هتسمعوا الأغنية كاملة».

وبمزيد من التفاصيل عن هذه المفاجأة الكبرى، قال الملحن: «على مدار ٢٤ سنة قدّمت العديد من الألحان لنجوم الوطن العربى، ومؤخرًا مع تطور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى حبيت أسمع لو كوكب الشرق السيدة أم كلثوم غنّت من ألحان عمرو مصطفى هيكون إيه الناتج؟».

وأثار إعلان عمرو مصطفى الكثير من الجدل، وكان فى مقدمة المعترضين على الفكرة المنتج محسن جابر، الذى أصدر بيانًا أبدى خلاله رفضه التام هذه الخطوة.

وقال «جابر»: «لا يجرؤ أحد بمن فيهم الفنان عمرو مصطفى- رغم علاقتى الوطيدة به- أن يستخدم الذكاء الاصطناعى لاستحضار صوت كوكب الشرق السيدة أم كلثوم، أو استعمال اسمها وصورتها، فهناك حقوق أدبية أبدية غير قابلة للتقادم».

وأعلن عن عزمه «اتخاذ إجراء قانونى ضد أى مهزلة أو عبث فى صوت أم كلثوم»، مشددًا على أن «أم كلثوم رمز كبير لا يجوز لأحد أن ينسخه أو يشوهه، أو يعبث به».

وفى تصريحات تليفزيونية، نبّه محسن جابر إلى أنه «اشترى كل تراث أم كلثوم من ورثتها، الذين يثقون به»، مضيفًا: «مش أم كلثوم اللى يحصل فيها كده، الأمر يحمل إساءة لأم كلثوم، إزاى كوكب الشرق يتعمل فيها كده؟ ليه نلبس أم كلثوم شورت ومين اللى يختار لها؟».

وردّ عمر مصطفى، عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعى «إنستجرام»، قائلًا: «مشروع إحياء التراث قائم، لكن بدون استخدام صورة أو اسم أى شخص، وذلك حفاظًا على حقوق الآخرين».واعتبر فى تصريحات أخرى أن «الصوت البشرى ليست له حقوق الملكية الفكرية».

التقنيات الحديثة قادرة على استنساخ الصوت والصورة.. و«التقنين» ضرورى

شدد المهندس محمود الكومى، مهندس «ذكاء اصطناعى» حاصل على جائزة «جنيف» للاختراعات لعامى ٢٠٢١ و٢٠٢٢ تواليًا، على ضرورة وضع حقوق الملكية الفكرية نصب أعيننا، فى ظل قدرتنا الحالية على استنساخ الأشكال والأصوات باستخدام تقنيات «الذكاء الاصطناعى».

وقال «الكومى»: «نماذج الذكاء الاصطناعى قادرة على توليد أكثر من طبقة صوت، وبالتالى يمكننا الحصول على أغنية بصوت أى مطرب رحل عن عالمنا، باستخدام طبقة الصوت الخاصة به، كصوت أم كلثوم وعبدالحليم حافظ على سبيل المثال».

وأضاف: «نفس القصة فى تقليد الصور، فيمكننى وضع أكثر من صورة لممثل ما، وتحديد أكثر من وضعية له، ثم الحصول على نسخة طبق الأصل منه»، مشيرًا إلى أن هذا ظهر بشكل أولى فى استخدام بعض أدوات «الذكاء الاصطناعى» لـ«تصغير» صورة شخص كبير فى السن أو العكس، بناءً على البيانات التى أقدمها.

واقترح «الكومى»، خلال حديثه مع «الدستور»، وضع قوانين تختص باستخدام تطبيقات وتقنيات «الذكاء الاصطناعى»، تتضمن مثلًا تعويضات للأفراد حال حدوث ضرر من استخدام هذا التطبيق أو هذه التقنية.

كذلك نبّه إلى ضرورة الالتزام بالأخلاقيات العامة والمهنية فى الاستخدام التكنولوجى لتقنيات «الذكاء الاصطناعى»، فى ظل إمكانية توظيف هذه التقنيات فى «التشهير» بشخص ما، والذى أصبح من السهل فعله حاليًا، بعدما أنتجت شركات جرافيك مثل «أدوبى» تقنيات يمكنها إنشاء صور لا يمكن تفريقها عن الواقعية تمامًا، وكذلك الفيديو.

كما أشار إلى نقطة أخرى، وهى ضرورة عدم السماح بتحقق «الوعى الذاتى للذكاء الاصطناعى»، فهو يجب أن يكون دومًا تابعًا للمطور، لأنه إذا خرج عن طوعه سيشكل خطرًا.

وعن تصريحات الممثل العالمى توم هانكس عن إمكانية استمرار مسيرته المهنية حتى بعد وفاته، من خلال استخدام تقنيات «الذكاء الاصطناعى»، اختتم «الكومى»: «فكرة الاعتماد على الذكاء الاصطناعى واستبعاد البشر من التمثيل لن تكون أمرًا مشوقًا، فأنا أريد أن أشاهد توم هانكس، وليس آلة تتحدث».

شرعية العمل مرهونة بالحفاظ على حقوق الآخرين وعدم الإساءة للراحلين

قال عمرو العراقى، نائب رئيس محور «التواصل المجتمعى» فى مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، إن تقنيات «الذكاء الاصطناعى» بإمكانها التعرف على أصوات الأشخاص ومحاكاتها.

وأضاف: «يمكن لهذه التقنيات الاطلاع على مخزون صوتى لشخص، ثم إنتاج صوته من جديد، وجعله يقول أشياء لم يقلها من قبل، كما يمكنه قراءة أى نص يُكتب له».

وواصل: «بكل هذه الإمكانات يمكن لآلة استحضار شخص أو شىء غير موجود، أو قرين لشخص أو شىء موجود تجنبًا لتعرضه للخطر، وهو ما يستخدم فى صناعة السينما، وتحديدًا فى مشاهد الحيوانات التى تظهر فى الأفلام ويكون من الصعب التحكم فى تصرفاتها، ثم معالجتها فى المونتاج».

وعن المخاطر التى يمكن أن تتسبب فيها هذه التقنيات، قال «العراقى» إنها تكمن فى السؤال عمن يملك حقوق الملكية الفكرية لمخزون هذا الصوت أو الصور الأرشيفية لشخص ما، سواء كان على قيد الحياة أو فارقها، وبالتالى تجب حماية الملكية الفكرية لهؤلاء الأشخاص، وأيضًا للأشخاص الذين صنعوا هذه الأعمال سابقًا، وملتقطى هذه الصور، لأن كل هذا المحتوى سنأخذه وندرب الآلة عليه.

وطرح عدة تساؤلات فى هذا الإطار: هل سيتم الحصول على تلك البيانات بشكل قانونى عبر شرائها من أصحابها؟ كيف سيوظف الناتج؟ هل سأستخدمها فى صناعة شخصية جديدة تقوم بأدوار تسىء للشخص الراحل للقيام بأفعال غير لائقة ما كان يفعلها وهو على قيد الحياة؟

وخلص إلى أن «إجابات هذه الأسئلة تؤكد ضرورة وجود ضوابط أخلاقية لهذه العملية، حتى لا يتم انتهاك حقوق أى شخص لمجرد أنه مات، وهنا يظهر دور الورثة فى الحفاظ على حقوقه، أو الشركة التى كان يتعامل معها إذا ما كانت تملك حقوق الملكية الفكرية لهذا الشخص».

وفى حال استخدام تقنيات «الذكاء الاصطناعى» لإعادة توليد صوت أو صورة شخص متوفى أو حى، يجب التنويه إلى أن تلك الشخصيات مستوحاة أو تمت صناعتها باستخدام «الذكاء الاصطناعى».

مطالب بقانون حماية الملكية الفكرية ووضع «وثيقة أخلاق»

طالب النائب سيد شمس الدين، عضو مجلس النواب، بإعداد مشروع قانون جديد لحماية الملكية الفكرية، بما يتماشى مع تطورات العصر الحالى، وذلك بدلًا من القانون الموجود بالفعل منذ عام ٢٠٠٢.

وقال «شمس الدين»: «خلال تلك السنوات الطويلة ظهرت تطورات عدة تجعل من الضرورى وجود تشريع لحماية الملكية الفكرية، والتى على رأسها تقنيات الذكاء الاصطناعى التى اخترقت العديد من المجالات».

وأضاف: «مصر من أوائل الدول العربية التى شاركت فى اتفاقيات ومعاهدات لحماية الملكية الفكرية، وأصدرت أحكامًا فى شأن منازعات الملكية الفكرية على منصة المنظمة العالمية لحماية حقوق الملكية الفكرية (الويبو)، بالتالى لن تتهاون مصر فى حماية الحقوق، فقط تحتاج لتطوير قوانينها التى ستساعد بشكل كبير على حصول كل ذى حق على حقه، وعدم تعدى أى شخص على حقوقه، خاصة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى التى ليس لدينا رابط لاستخداماتها بشكل قانونى رسمى حتى الآن».

واقترح النائب علاء مصطفى، عضو مجلس الشيوخ، إصدار وثيقة مبادئ وأخلاقيات الذكاء الاصطناعى؛ لتنظيم استخدام وتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعى، والعمل على الحد من المخاطر المترتبة على استخدامه.

وأعلن «مصطفى» عن أنه ينوى تقديم المقترح لرئيس مجلس الشيوخ، باعتبار الذكاء الاصطناعى أصبح من أخطر ما أنتجت الثورة التكنولوجية، فهى ساعدت البشرية على الارتقاء والتقدم، إلا أن البعض اتجه لاستغلالها بشكل سلبى، ما يدعو لضرورة تقنين استخدام تلك التقنيات.

وأوضح: «هناك شركات قادرة على استخدام تلك التقنيات التى سهلت عملية تركيب صوت وصورة طبق الأصل لأى شخص، وتلقينها، ما يمكّنها من التحرك والنطق بشكل طبيعى يجعل من الصعب تفريقها عن الشخص الحقيقى.. أيضًا من المخاطر التى ولدت فى هذا العصر التطبيقات التى تستند إلى برمجيات الذكاء الاصطناعى، التى يمكنها القرصنة وكشف الشفرات وتهديد الحسابات الخاصة بالشركات والأفراد والبنوك».

بنود الميثاق المصرى: الشفافية والعدالة والأمان

تعتبر مصر من أولى الدول العربية التى وضعت عددًا من البنود والتشريعات التى تقنن عمل تقنيات الذكاء الاصطناعى، فقد جرى إنشاء المجلس الوطنى للذكاء الاصطناعى فى ٢٠١٩؛ بهدف وضع الأطر والمبادئ التنظيمية لتحقيق أعلى فائدة من تقنيات الذكاء الاصطناعى مع الأخذ فى الاعتبار الطبيعة الأخلاقية المصرية.

وفى يوليو عام ٢٠٢١، أطلقت وزارة الاتصالات المصرية منصة خاصة بالذكاء الاصطناعى، وأعلن المجلس، فى أبريل الماضى، عن إطلاق الميثاق المصرى للذكاء الاصطناعى، وذلك خلال الاجتماع السابع للمجلس الذى عقد مؤخرًا برئاسة الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

وتضمن الميثاق تفعيل ٥ مبادئ رئيسة، هى: البشرية كمقصد، والشفافية، وقابلية التفسير، والعدالة والمساءلة، والأمن والأمان.

ويتم تفعيل هذه المبادئ عبر وضع سياسات وآليات موثقة للحل العاجل للمشكلات الناتجة عن الاستخدام غير المصرح به، وعدم تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعى لتحل محل العمالة البشرية، بشرط ألا تشكل خطرًا على رفاهية الإنسان، وفى حالة خسارة الوظيفة البشرية فينبغى على مالك النظام «الحكومة أو القطاع الخاص أو غيرهما» اتخاذ تدابير لضمان انتقال عادل للعمالة فى أثناء تشغيل الذكاء الاصطناعى.

كما تقع المسئولية والمساءلة دائمًا على نتائج أنظمة الذكاء الاصطناعى على الأشخاص العاديين أو الاعتباريين، ويجب أن يسبق أى مشروع من مشروعات الذكاء الاصطناعى إصدار تجريبى لضمان الجدوى التقنية للحل، واتخاذ تدابير إضافية فى حالة تطبيقات الذكاء الاصطناعى الحساسة أو ذات المهام الحرجة، كما يجب أن يعتمد مطورو أنظمة الذكاء الاصطناعى منهجًا لإدارة المخاطر بصفته جزءًا من دورة تطوير النظام، والعديد من البنود الأخرى التى يمكن الاطلاع عليها من خلال الموقع الإلكترونى الخاص بالمجلس.