الإثنين 29 أبريل 2024 مـ 02:47 صـ 19 شوال 1445 هـ
موقع هدف
موقع هدف
موقع هدف
موقع هدف
رئيس مجلس الأمناء مجدي صادقرئيس التحرير محمود معروفأمين الصندوق عادل حسين

حوارات «البوكر».. الروائى زهران القاسمى: «البوكر» فتحت لى نافذة كبيرة للقراءة خصوصًا فى مصر

الروائى زهران القاسمى
الروائى زهران القاسمى

 

 

- «تغريبة القافر» تعكس ثنائية التسامح والتطرف الموجودة فى كل قرى العالم

- الرواية عمل بحثى بالمقام الأول.. ولا يمكن الاعتماد فقط على المخيال أو مخزون الذاكرة

- هناك تطور فى السرد العمانى منذ بداية الألفية.. ووصول جوخة الحارثى إلى العالمية لفت الانتباه إلينا

 

لسنوات، ظل اهتمام الشاعر والروائى العمانى زهران القاسمى مُنصبًا على كتابة الشعر، فأصدر عددًا من الدواوين، منها «أمسكنا الوعل من قرونه»، و«أغنى وأمشى»، و«سيرة الحجر»، و«الأعمى»، إلى أن اجتذبته الرواية إلى عوالمها الرحبة والثريّة فكتب أول أعماله السردية «جبل الشوع» الذى نُشر عام ٢٠١٣، ثم رواية «القناص» التى نشرت عام ٢٠١٤، و«جوع العسل» ٢٠١٧، وأخيرًا «تغريبة القافر» التى وصلت مؤخرًا إلى القائمة القصيرة فى جائزة «البوكر العربية» لتضع القارئ، من مختلف أنحاء العالم العربى، أمام رواية ذات خصوصية محليّة مدهشة قادرة على أن تنتزعه من صخب مدينيته وتُلقى به فى رحاب حياة قروية معقدة على بساطتها وصاخبة رغم هدوئها.

فى هذا الحوار الذى أجرته «الدستور» مع الروائى والشاعر العمانى زهران القاسمى نتعرّف عن قرب على خطواته الصغيرة التى قادته نحو الكتابة، والمشاهد التى احتفظ بها فى ذاكرته عن القرية وأثرها فيما كتبه عنها، متطرقين للحديث عن خصوصية الفضاء الذى جرت به رواية «تغريبة القافر» وآفاقها الرحبة التى تدفع القارئ للمشاركة فى إنتاج المعنى وليس التلقى السلبى.

 

■ بداية.. كيف ومتى بدأت علاقتك بالكتابة؟ وهل كانت دراستك ذات صلة بالأدب؟

- حصلت على دبلوم فى مجال الصحة العامة، ومن ثم كان تخصصى الدراسى غير ذى صلة بالأدب، لكن علاقتى بالكتابة وبقراءة الأدب كانت وطيدة، فقد كانت لدىّ محاولات لكتابة الشعر فى مرحلتى الطفولة والمراهقة تطوّرت بفترة لاحقة من العمر.

عشت طفولتى فى إحدى القرى العمانية خلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى، وهى فترة كان بلدنا فيها يفتقر افتقارًا كبيرًا لزخم الكتب والمكتبات، فكان المتاح منها قليلًا ولا يوجد سوى عدد من الكتب الكلاسيكية مثل «المستطرف»، و«الأغانى»، و«الموشحات»، و«ألف ليلة وليلة» وغيرها، وهى الكتب التى عكفت على قراءتها لفترة طويلة من حياتى.

حينما انتقلت فى منتصف التسعينيات إلى الدراسة الجامعية بالعاصمة العمانية مسقط، كانت هناك وفرة من الكتب الحديثة، فبدأت أطلع على التجارب الجديدة فى الشعر الحديث مثل أعمال بدر شاكر السياب، ونازك الملائكة، ونزار قبانى، ومحمود درويش وغيرهم.

انصب اهتمامى الأكبر على الشعر فى البداية لأن تجاربى الأولى كانت شعرية، فواصلت القراءة لتجارب أخرى فى الشعر، مثل أعمال أمل دنقل وأحمد شوقى وإبراهيم ناجى وإيليا أبوماضى، ثم الكثير من الروايات العربية، على رأسها روايات نجيب محفوظ. كانت تلك الوفرة فى الكتب مدهشة لإنسان قادم من القرية ومحب للكتب والقراءة، فكنت أقضى وقتًا طويلًا جدًا فى القراءة، كما أن عملى المبكر كان بمنطقة تبعد عن قريتى وعن مسقط، فكنت أحمل الكثير من الكتب لأقرأها هناك. تلك الأعوام كانت فترة ثرية جدًا بالنسبة إلىّ وشكّلت مخزونًا اعتمدت عليه.

■ إلى أى مدى شكّلت فترة طفولتك فى القرية مخزونًا آخر استقيت منه فى كتاباتك؟

- اكتشفت هذا المخزون متأخرًا للأسف، فقط حينما بدأت بكتابة السرديات، وكان ذلك فى العام ٢٠١١. حينما شرعت فى استرجاع عالمى الذى عشته بالقرية وجدت أن هناك مخزونًا شفاهيًا كبيرًا غير متداول وغير متطرَّق إليه بالرواية، فكثير من المحاولات الروائية التى ظهرت كان «مدينيًا»، أى موضوعه المدينة والتاريخ وبعض القضايا السياسية والاجتماعية، فيما لم يتطرق أحد إلى خصوصية القرية العمانية، وهذا المجتمع المنغلق بتفاصيله البسيطة والدقيقة.

بدأت أبحث فى بعض التفاصيل ذات الخصوصية مثل قنص الوعول المعروف فى عمان بفترة من الفترات، خصوصًا فى القرى الجبلية، فتشكّلت رواية «القناص» فى هذه المرحلة من هذه التفاصيل.

■ هل اعتمدت على مخزون الذاكرة فقط فى كتابتك للرواية أم دعّمته بأبحاث عن موضوع العمل؟

- كتابة الرواية عمل بحثى فى المقام الأول، فكل رواية يسبقها الكثير من البحث، فلا يمكن الاعتماد فقط على المخيال أو مخزون الذاكرة.

فى رواية «تغريبة القافر» استعنت بالكثير من الكتب التى كان موضوعها «هندسة الأفلاج»، كما جالست كبار السن الذين عملوا فى هذه الأفلاج وسمعت حكاياتهم وأساطيرهم المتداولة عن المياه.

■ بعض الأعمال يخفق فى تحقيق موازنة بين الجانب المعلوماتى والجانب الفنى الخاص بأساليب السرد.. كيف حققت الموازنة بين متعة السرد وتدفق المعلومات؟

- على الروائى أن يدرك جيدًا أن الرواية ليست كتابًا توثيقيًا كما أنها ليست كتابًا فى التاريخ أو الجغرافيا أو علم الاجتماع أو غيرها، وإن كانت تستفيد من كل العلوم. لا بد أن يحدد الكاتب الكم المعلوماتى الذى يمكن توظيفه بالسرد، ومدى الاستفادة منه داخل العمل، وألا تصير الرواية صوتًا خارجيًا يفرض على القارئ أنه لا بد أن تقرأ هذه التفاصيل وتعرف كل هذه المعلومات، إذ يتعين على الروائى أن يكون حذقًا فى ضخ المعلومات للقارئ دون أن يُشعِر القارئ بالملل بإجباره على قراءة الكثير من المعلومات.

■ كيف كانت بداية تشكّل فكرة رواية «تغريبة القافر» بذهنك؟ وكيف كان مسار العمل عليها؟

- كنت أعرف عن أنواع عدة من قفر الأثر لدى القفارين فى عمان، فبعض القفارين يقتفون أثر الناس فيعرفون مَن مرّ من المكان وفى أى وقت، والبعض الآخر يقتفى آثار الدواب مثلما نجد لدى القبائل البدوية فى الصحراء، وهناك أيًضًا قفارون يستطيعون أن يعرفوا عمق المياه من الأشجار الموجودة بالمكان. هذه القدرات تأتى من خبرة طويلة فى قراءة الآثار والتعامل مع الصحراء.

من هذا المنطلق طرحت على نفسى سؤالًا: ماذا لو أن هذه الشخصية لا تعتمد على القفر المتداول بين الناس؟، ماذا لو أن البطل يستطيع سماع صوت المياه فى باطن الأرض؟، ومن هنا انطلقت فكرة العمل فى بدايته.

كان الاشتغال طويلًا على العمل، إذ استغرقت فى كتابة الرواية ما يقرب من عامين مارست خلالهما الكثير من الحذف والإضافة، ولكننى استمتعت كثيرًا بكتابتها.

■ فى الرواية هناك أيضًا أكثر من قافر بأشكال مختلفة، فهل يمكننا القول إن القافر، الذى حضر بعنوان للعمل، ليس البطل «سالم» وحده وإنما كل شخصيات الرواية؟

- نعم، فكل شخصية داخل الرواية تقتفى أثرًا معينًا فى حالتها وخصوصيتها.

■ من هذا المنظور، هل يمكن اعتبار الهَمّ الأول للرواية همًا وجوديًا يتسلل إلى شخوص العمل بخفة تناسب وعيهم الشعبى ودون ادّعاء الوقوع تحت سطوة أسئلة كبرى؟

- فى الحقيقة أنا مشغول بفكرة البحث، ربما لهذا السبب جاءت هذه الشخصيات دون طرح أسئلة وجودية كبرى، فجميع الشخصيات كانت فى رحلة بحث عن شىء ما. فى روايتى السابقة «القناص» كان البطل يبحث عن قنص الوعل، وهذا كان موضوع الرواية التى لا أظن أنها بخصوصيتها تم تداولها حتى عربيًا بهذه الفكرة. وكذلك فى رواية «جوع العسل» كانت هناك فكرة البحث عن العسل الذى له صور عديدة تتمحور حول فكرة اللذة وما يحبه الإنسان ويقضى كل وقته لتحقيقه، فمعظم رواياتى كان مشغولًا بالبحث، و«تغريبة القافر» مشغولة أيضًا بالبحث.

أعتقد أن الإنسان بالمجمل يبحث عن شىء ما فى داخله، ففكرة البحث ليست محدودة بقالب معين وإنما هى فكرة فلسفية ونفسية بالأساس.

■ الموت والحياة فى الرواية متوازيان منذ بدايتها وحتى النهاية بل إن منابع الحياة ذاتها منها يتدفق الموت.. ما الذى جذبك لهذه الثنائية؟

- فى كل وقت ومكان هناك دائمًا توازٍ بين حالتى الموت والحياة، فى اللحظة التى يولد فيها طفل تُدمر الزلازل أو الفيضانات مدينة، فعلى الأنقاض تولد دائمًا حياة. هذه المتناقضات حاضرة بكل الأوقات، وقد استحضرتها فى الرواية من خلال التركيز على الماء الذى هو متعارف عليه بصفته مصدرًا للحياة، سواء عبر الدين أو العلم، ومع ذلك فإنه قد يكون سببًا للموت بسبب الجفاف أو الفيضانات، فأردت أن أتأمل هذه الثنائية فى الرواية.

■ ما سبب اختيارك أن يأتى السرد على لسان الراوى العليم على الرغم من أن الرواية كانت تسمح بتعدد أصوات شديد الثراء؟

- حاولت الكتابة بأكثر من صوت وبالأصوات المتعددة لكن لم أشعر بالراحة، إلى أن توصلت إلى أن الراوى العليم فى الرواية هو أيضًا أقرب لأن يكون أحد سكان القرية، يسترسل فى رواية الأساطير مثل كبار السن بالقرى، فأعجبتنى فكرة أن يكون الراوى أحد الأصوات.

■ تبدو الرواية متسامحة بصورة كبيرة مع الأساطير والمرويات الشعبية، غير راغبة فى إدانتها.. ما السبب؟

- تحمل الرواية ثنائية التسامح والتطرف، فالقرى مهما كانت صغيرة هى أيضًا معقدة، وفى قمة تسامحها هى أيضًا متطرفة مع الآخرين. هذه الثنائيات موجودة منذ بداية الرواية، فحينما يسمع أهل القرية الطارش ينادى بأن ثمة غريقًا سنجد معظم الناس يسرعون إلى البئر، بعضهم ليعرف مَن الغريق وبعضهم ليُخرج الجثة، لكن فجأة يأتى التطرف عندما تُكتشف هذه الحياة فى بطن الأم فتظهر هذه النعرة للإنسان القروى. إن التطرف والتسامح موجودان فى كل القرى، وهما سمة لكل البشر القرويين ولكل قرية فى العالم.

■ فى الجزء الأخير من الرواية يصارع «سالم» الموت غرقًا فى الفلج بما يشبه صراع سانتياجو بطل «العجوز والبحر» مع الموت.. أين يلتقى سالم مع سانتياجو؟

- موضوع الصراع مع الطبيعة حاضر فى كثير من الروايات العالمية ومتداول بكثرة فى الأفلام السينمائية، ونستطيع أن نخرج منه بمئات الصور والأعمال، قد تتقاطع الأعمال إذ لا يمكن أن يكون العمل خالصًا منقطعًا عن الأعمال الأخرى لأنه كما يقال «الحكمة ملقاة على الطرقات»، وقد لا يرى الكاتب نفسه التقاطعات مع الأعمال الأخرى ولكن يلمسها القارئ وفق مُحصلته القرائية.

■ تبدو «صبرا» زوجة البطل «سالم» أقرب ما يكون إلى «بينيلوبى» فى «الأوديسة» فى الحيلة التى اعتمدتها وفاءً لزوجها.. هل أردت إعادة تقديم الأسطورة؟

- نعم، تعمدت هنا إحياء أسطورة بينيلوبى فى نصى، لا سيما بعد أن سمعت الحكاية من أحد كبار السن ولكن بصفتها حكاية شعبية، إذ روى لى أحد الشيوخ قصة امرأة سافر زوجها وغاب لفترة طويلة جدًا ولم يعد ثمة خبر عنه، فى إحدى الفترات التى كان العمانيون يسافرون فيها إلى إفريقيا ويستقرون بها لفترات طويلة، فجاءها أهلها يطالبونها بالزواج ويخبرونها بأن زواجها السابق قد انتهى شرعًا، فاخترعت حيلة الغزل بالصوف هربًا من الزواج بآخر بحجة أنها ستتزوج حينما تنتهى من الغزل.

أثار دهشتى هذا الالتقاء العجيب بين الأسطورة والحكاية الشعبية، وأردت أن يكون حاضرًا فى الرواية.

■ لماذا لم تحدد الفترة التاريخية التى جرت بها أحداث الرواية؟

- أخفيت الزمن إيمانًا بأن هذه الأحداث قد تقع فى أى حالة وفى أى مجتمع من المجتمعات، فأنا لا أشتغل على مرحلة تاريخية بقدر ما أشتغل على مسائل وجودية، والزمن هنا هو زمن الرواية النسبى.

■ تأتى نهاية الرواية لتحمل احتمالين متضادين، حياة البطل ونجاته من جانب أو الغرق والموت على الجانب الآخر.. فلمَ اخترت هذه النهاية المفتوحة؟

- أردت أن تكون الرواية مفتوحة التأويل حتى يستطيع القارئ أن يتصور ما يشاء. دائمًا تأتينى أسئلة كثيرة عمّا حدث للقافر، هل جرفته المياه بمعنى أنه مات أم أنه لم يمت؟ هل يعود إلى زوجته؟ ولكن النهاية مفتوحة للتأويل لتعتمد على القارئ وتصوره، فهى تغريبة بالنهاية ومشغولة بالبحث.

■ إلامَ تُرجع الاهتمام الراهن بالرواية العمانية، هل لأن ثمة تطورًا شهده السرد العمانى بالسنوات الأخيرة؟

- بالطبع التطور فى السرد حدث بالفعل، ففى الثمانينيات والتسعينيات كانت لدينا محاولات بسيطة فى كتابة السرد، ولكن منذ بداية الألفية ظهرت أول رواية رائعة هزّت الوسط القرائى فى عمان وهى رواية «الطواف حيث الجمر» للكاتبة بدرية الشحّى، وبدأت أعمال مميزة للجيل الجديد فى الظهور. فكان لدينا فى الدورة الأولى من جائزة البوكر من عمان رواية لعبدالعزيز الفارسى بعنوان «تبكى الأرض يضحك زحل»، وعندما فازت جوخة الحارثى بجائزة «مان بوكر» أثارت التساؤل عن هذه المنطقة من الوطن العربى، فوصولها إلى العالمية كان مؤشرًا يلفت إلى وجود كتابة مميزة فى عمان تستحق الالتفات إليها.

فى العام الماضى أيضًا، كانت رواية «دلشاد» لبشرى خلفان فى قائمة البوكر القصيرة، ووصلت رواية «سر الموريسكى» لمحمد العجمى إلى القائمة الطويلة فى جائزة الشيخ زايد.

وعلى الرغم من ذلك، فهناك تجارب أخرى مميزة فى الرواية والشعر لم يُلتفت إليها إلى الآن، فالكتّاب العمانيون يُحجمون عن التسويق لأعمالهم ويكتفون بالكتابة ذاتها، وهو ما يبقيهم بعيدًا عن الأضواء.

■ إن كانت الجوائز قد لعبت دورًا فى الاهتمام بالأدب العمانى.. فما أكثر ما تمتن له فيما يخص الجوائز على المستوى الشخصى؟

- مجرد وجودى فى قائمة جائزة «البوكر» فتح لى نافذة للقراءة فى الوطن العربى، خصوصًا فى مصر، أنا ممتن كثيرًا للقراء المصريين، فمعظم الكتابات عن روايتى «تغريبة القافر» كانت من القراء المصريين، وهذا أمر جميل جدًا ويثلج الصدر، لا سيما أن معظم من كتبوا عن الرواية لم أكن أعرفهم.