الجمعة 29 مارس 2024 مـ 02:57 صـ 19 رمضان 1445 هـ
موقع هدف
موقع هدف
موقع هدف
موقع هدف
رئيس مجلس الأمناء مجدي صادقرئيس التحرير محمود معروفأمين الصندوق عادل حسين

التطوير والوعى العام «٤-٤».. مثلث ماسبيرو وعمارة الحداثة

فى منتصف الخمسينيات من القرن الماضى، تم إنشاء مشروع إسكان عام فى سانت لويس، ميزورى، فى الولايات المتحدة، اشتهر المشروع باسم برويت- إيجو «بالإنجليزية: Pruitt-Igoe».

تم تخطيط المشروع فى الأصل ليكون قسمين: منازل وندل برويت «وهو طيار مقاتل أمريكى من أصل إفريقى فى الحرب العالميّة الثانية» للسكّان السود، وشقق ويليام إيجو «عضو سابق فى الكونجرس الأمريكى» للسكّان البيض. كما كان المعمارى الأمريكى من أصل يابانى مينورو ياماساكى مُصمم المشروع، وهو الذى صمّم أيضًا برجى نيويورك التوأم ومطار سانت لويس الدولى.

وقد استهدف مشروع Pruitt - Igoe تحسين المساكن فى الأحياء الفقيرة، إلا أنها بدأت فى التدهور بعد اكتمالها بفترة وجيزة، وبحلول منتصف الستينيات من القرن الماضى، أصبحت تعانى من سوء الصيانة والجريمة المرتفعة وانخفاض نسبة الإشغال، إضافة إلى التخريب وجنوح الأحداث من المشاكل المتوطنة. فشل العديد من المحاولات لتفادى التدهور، ويرجع فشل المشروع إلى عيوب معمارية خلقت بيئة معادية وغير آمنة. كانت الشقق صغيرة بشكل متعمد، مع أدوات مطبخ صغيرة الحجم، وتم تصميم عدد قليل من الوحدات للعائلات الكبيرة.

تكون المشروع من ٣٣ مبنى سكنيًا من ١١ طابقًا على مساحة ٥٧ فدانًا، تم بناؤها من الخرسانة والطوب المكسو. وكان معظمها يحتوى على ما بين ٨٠ و٩٠ وحدة.

بدأ نقد التصميم المعمارى للمشروع فى الستينيات. كانت الجودة الإجمالية للبناء رديئة للغاية، ووصفت المبانى بأنها أكثر قليلًا من بطاريات الأرانب المصنوعة من الصلب والخرسانة، سيئة التصميم، سيئة التجهيز، غير مناسبة فى الحجم، موقعها سيئ، تفتقر إلى التهوية، ومن المستحيل عمليًا صيانتها.

أصبح مشروع Pruitt - Igoe يمثل بعض إخفاقات التجديد الحضرى، وتخطيط السياسة العامة، والإسكان العام. وقد وصفه العديد من المعماريين بأنه: «أسوأ كارثة إسكان عام فى أمريكا والنموذج الأولى لفشل مشاريع الإسكان العام».

وعلى الرغم من ذلك كان هناك من أشاد بالمشروع باعتباره «أحياء عمودية للفقراء»، ووصفه كاتب سيرة المصمم ياماساكى باعتباره «جهدًا طموحًا بشكل مذهل لتحويل حرج المسكن القذر فى مدينة أمريكية عظيمة إلى شىء لائق وجيد».

وفى عام ١٩٧٢ تم هدم العديد من المبانى بالمتفجرات فى حدث متلفز على نطاق واسع، وبحلول عام ١٩٧٦ تم هدم جميع المبانى. واعتبر المعماريون ذلك مقدمةً لنهاية عصر الحداثة فى العمارة وبدايةً لعمارة ما بعد الحداثة، كما وصفها المؤرخ المعمارى تشارلز جنكس: «اليوم الذى ماتت فيه عمارة الحداثة». كما أصبح المشروع أيقونة لفشل التجديد الحضرى وسياسات الإسكان العامّة.

بعد هدم المشروع أصبح يُنظر إليه على أنه فشل فى العمارة الحداثية ككل، ومثال لنوايا الحداثيين التى تتعارض مع التنمية الاجتماعية فى العالم الحقيقى.

مررت هذا الأسبوع فى شارع الجلاء، فهالنى كم الكَرْكبة والتكدس فى الشارع الذى يخنقه كوبرى أكتوبر وامتداداته التى غطت يمين ويسار الشارع وجعلت منه مجرد ممر، معتم، خانق، دون تهوية، أو أمل فى ضوء، المرور فى أهم مداخل القاهرة يدعو للنفور والاكتئاب ويقدم أسوأ تصدير لمدينة لا تستحق أن تعيش هذا البؤس. وفى نهاية الشارع على اليمين تنمو غابة من الأسمنت الردىء فى أجمل بقعة فى القاهرة على بُعد خطوات من النيل العظيم. قرأت إعلانات بيع الشقق، الأسعار بالملايين، مَن سيدفعها للإقامة فى هذه العلب القبيحة؟ واجهات من اللون الأسمنتى الرمادى المميت، ارتفاعات شاهقة لا تتناسب مع أناقة ورحابة القاهرة الخديوية المواجهة لها.

مثلث ماسبيرو.. تصميمات قبيحة وتخطيط عقيم، ضغط على المرافق وتكدس فى الزحام السكانى.

ليتها ظلت منطقة عشوائية للفقراء، على الأقل كان سيكون هناك أمل فى تطويرها، أما ما حدث فهو تخريب يجب أن يُحاسب كل من شارك فيه.