السبت 2 أغسطس 2025 05:25 مـ 7 صفر 1447 هـ
موقع هدف
رئيس مجلس الأمناء مجدي صادق رئيس التحرير محمود معروف
×

استعدادات صغيرة للعيد الكبير

السبت 10 يونيو 2023 08:39 مـ 21 ذو القعدة 1444 هـ
يوسف أحمد حامد
يوسف أحمد حامد

 

 

هابطتان من الجبل أنا وهى، مسرعة تسبقنى بخطوة، طشتها جديد وأكبر من طشتى، كانت تضحك وهى سائرة. قالت: بعد بكرة العيد.. حيفرش أبويا فى الجنينة بالبمب والنفافيخ والمزامير.. والوشوش الملونة اللى تخوف.

أبوها الطويل المحنى الظهر، بائع البليلة والفول النابت فى الشتاء، والكركديه والسوبيا المثلجة فى الصيف.

وصلنا الحنفية العمومية، أنزلنا الطشوت، فردنا الكليمات على سور الترعة الأسمنتى العريض، وضعت أنا الكليم الأول فى الطشت الذى ملأته بالماء، رحت أقفز عليه لتخرج الأوساخ، كلما اتسخ الماء أدلقه فى البلاعة التى تصب فى الترعة وأملأ غيره.

جاء ولد يحمل عصا على كتفيه خلف رأسه، يتدلى من طرفيها سيخان يحمل كل منهما صفيحة، سلم عليها باسمًا، مال عليها حاملًا إحدى الصفائح، قال: جايا تغسلى؟.

فقالت ضاحكة: لأ.. جايا أتفسح.

ضحك وضربها على مؤخرتها وجرى، اندلقت صفيحتاه، حملت حجرًا قذفته به، فتحاشاه وجاء معتذرًا، قائلًا: خلاص.

ملأ صفيحتيه وعلقهما بالسيخين فى العصا وحملها على كتفيه ممسكًا بالسيخين، وسار صاعدًا الجبل، تتساقط قطرات الماء من حافة الصفيحتين فتصنع خلفه خطين، حين ترتج الصفيحة تصنع بقعًا من الماء سرعان ما يلتهمها التراب.

كنا نتقافز على الكليمات الموضوعة فى الطشوت.. فتخرج الأوساخ.. يتسخ الماء.. ندلقه.. نملأ غيره.

قالت: الولد محمود ساكن فوق.. ناسه بيبيعوا فول.. قدام بيتهم قدرتين كبار.

قلت: أعرف بيته.. وساعات بأشترى منهم.

تلفتت ترقب الطريق وقالت: مرة رحت أشترى منه.. دخلنى البيت.. ما كانش فيه حد.. راح باسنى وحضنّى.. وملالى الطبق فول وما أخدش الربع جنيه.. فاشتريت لبان وملبن.

كانت تحكى فى زهو وهى تتقافز، وقد التصق جلبابها المبتل بصدرها المتكور، فرحانة بالقبل مثل أمك، الرجال يأتون عندكم يحملون أكياس اللحم والفاكهة وزجاجات الخمر لأبيك، أمك تقول «أولاد عمى»، وأمى تقول «حلبية.. ما لها عم ولا خال».

جاء الولد يحمل صفائحه، اقترب منها وهمس لها، فقالت: الخرابة لا.. الناس تشوفنا.

فملأ صفائحه وحملها صاعدًا إلى الجبل.. وقد ابتل جلبابه أكثر.

على السور الأسمنتى ندعك الكليمات المفرودة بالفرشاة، غدًا يشترى أبى اللحم ونخبز أنا وأمى الفطير، ونكنس الصالة والأوضة، نفرش الكليمين على الدكتين فى الصالة، ونفرش بينهما الحصير والحصير الآخر فى الأوضة، سأرتدى فستانى الأخضر وحذائى اللامع، لن أدخل بيتها يوم العيد، أوضة جلوسهم مزدحمة بالرجال، وأبوها فى الجنينة يرتدى الوجوه الملونة.. ينفخ النفافيخ.. يزمر.. يفرقع البمب، والأوضة الأخرى لها رائحة عفنة كرائحة البول، والطير سارح فى الصالة، أمها تقول «بيتى كبير»، وأمى تقول «كسلانة»، سيكون جيبها مليئًا بالجنيهات الجديدة، وأنتظر أنا أى عم أو خال قد يأتى من بيته البعيد.

جاء الولد، همس لها فقالت: البيت ممكن.

ملأ صفائحه بسرعة وصعد الجبل.

قالت: حاخد منه جنيه كامل.

قلت: بعد ما أخلص غسيل حارجع البيت.

ــ مش حتأخر.

ــ لسه معاكى حصيرتين.

جرت مسرعة صاعدة خلفه.

الحمامتان فى صدرى تفقسان.. تتحركان.. تشقان الجلد، فأرتجف، أقفز فى الطشت، أنظف الكليم الأخير.

تمت