الخميس 25 أبريل 2024 مـ 09:51 صـ 16 شوال 1445 هـ
موقع هدف
موقع هدف
موقع هدف
موقع هدف
رئيس مجلس الأمناء مجدي صادقرئيس التحرير محمود معروفأمين الصندوق عادل حسين

إسرائيل المأزومة أكثر من غيرها

ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو إلى تلك الجولة التصعيدية الجديدة بغرض تحقيق عدة أهداف يراها حيوية للحفاظ على حياة حكومته. أولها: دفع أزمة الحكم الداخلية التى عصفت طوال أشهر مضت باستقرار الائتلاف الذى تتشكل منه، إلى الفضاء الفلسطينى، القابل طوال الوقت من وجهة نظر الساسة الإسرائيليين لاستقبال تناقضات الحكم الإسرائيلية، والجاهز لهضمها واستيعابها طوال مسيرته باعتبارها قدرًا لا فكاك منه. الهدف الثانى أكثر ارتباطًا بعملية ترميم عاجلة يحتاجها مجتمع المستوطنين الذى يمثل الظهير السياسى الأهم لتلك الحكومة، فى الوقت الذى لا يكف فيه عن ابتزاز المسئولين ورئاسة الحكومة بالخصوص. الهدف الثالث تشارك فيه مع رئيس الحكومة وزير الدفاع وقيادات جهاز الشاباك، الذين اجتمعوا على حجم الضرر البالغ الذى طال «قوة الردع» الإسرائيلى مؤخرًا، وأنها فى حاجة ماسة لاستعادتها فى أسرع وقت وبلغة يفهمها الداخل الفلسطينى والمحيط الإقليمى.

داخل السجال العملياتى الممتد بين إسرائيل والفلسطينيين تبرز أهمية كبرى إضافية لدى العسكريين والأمنيين الإسرائليين، تتعلق بإمكانات الفصائل الفلسطينية وضرورة تحجيمها وإخضاعها من حين لآخر لعملية إجهاض مُركز، يلزمها وقت طويل بعدها لاستعادتها، كى تظل فى المستوى الذى يمكن لإسرائيل التعامل معه. المشهد الأخير الذى مثل الذريعة لتلك الجولة التصعيدية الحالية هو إطلاق فصيل «الجهاد الإسلامى» وحده ما يقارب «١٠٠ صاروخ» من قطاع غزة، ردًا على اغتيال القيادى «خضر عدنان» داخل سجون إسرائيل. بالحسابات الإسرائيلية هذا تطور كمى ونوعى لافت لا تحتمله المؤسسة العسكرية والأمنية، حيث تتهم بالإخفاق فى تحقيق الأمن للسكان والمناطق التى وصلتها تلك الصواريخ الفلسطينية، حتى وإن لم تحدث الضرر المؤثر. هذا وضع عملية الرد الإسرائيلى الحتمى فى سباق مع الوقت، كما بدا أنه يلزمها أيضًا أهداف مؤثرة كى يمكن تسويقها بالداخل باعتبارها دليل جاهزية، ولهذا استدعى التخطيط الإسرائيلى قرار العودة إلى اغتيالات القادة من أجل كسر إرادة الفصائل، كى تكون هى العنوان التى تجرى العملية على أساسه رغم الخطورة المتوقعة من ردات فعل فلسطينية غير محسوبة، يمكنها أن تحدث إيلامًا مقابلًا، لكن إسرائيل حزمت أمرها ومضت على أى حال.

فى إطار إدارة إسرائيل لتلك الجولة التصعيدية تبرز عدة إشارات مهمة، بالتأكيد أولاها هى الكلمة المفتاحية الخاصة باستهداف القادة من صفوف الفصائل، ووصولها إلى القادة العسكريين الثلاثة للجهاد الإسلامى فى هذا الوقت الزمنى المحدود، بين اتخاذ القرار السياسى وعملية التنفيذ الميدانى، يدل أن الكفاءة الاستخباراتية لجهاز الشاباك حاضرة ولم تتضرر، وأن قدراتها الإلكترونية والبشرية من الواضح أنها فى لياقتها التامة. الإشارة الثانية واضحة وجربت إسرائيليًا من قبل فى جولة سابقة خاصة بتحييد حركة حماس، وإيصال رسائل مباشرة لها، يُفهم منها أن الحركة غير مستهدفة من تلك العملية رغم الصخب الإعلامى الإسرائيلى الموجود طوال الوقت، بالإلحاح على أن حركة «حماس» هى عنوان التهديد والمسئولة عن كل ما يحدث من الجانب الفلسطينى. لذلك تضغط إسرائيل بقوة وبكل الوسائل الممكنة من أجل الوصول إلى تقسيم «المقسم» وصناعة شروخ تضرب فى جنبات جناح «الفصائل»، المنقسم من الأصل بينه وبين حركة «فتح» الممثلة بالسلطة الفلسطينية. وهذا يعيد للذاكرة ويتوافق مع الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على القطاع فى ٢٠٢١ ضد قيادات من الجهاد الإسلامى، وحينها كفت حماس نفسها من الدخول إلى معترك المواجهة، وتحملت انتقادات قاسية على وسائل الإعلام وعبر عواصف التواصل الاجتماعى، اتهمت حينها بالخذلان والخيانة المباشرة وغذت الكتائب الإلكترونية الإسرائيلية هذا الطرح، وأسهمت بشكل كبير فى تعميقه وسط الرأى العام الفلسطينى.

أكد الجيش الإسرائيلى، صباح أمس، أنه بينما لم يكن هناك إطلاق صواريخ الليلة الماضية من قطاع غزة أو غيرها، فإن القيود ستظل سارية على السكان الأقرب إلى قطاع غزة، إذ ترى القيادات العسكرية إمكانية أن يحدث أى شىء فى أى لحظة. العملية التى أطلقت عليها إسرائيل «السهم الواقى» يبدو أنها ستكبد الداخل الإسرائيلى خسائر، حتى قبل الاشتباك المباشر مع ردات فعل الجانب الفلسطينى، أولاها تلك القيود الصارمة التى ربما تفرض لأول مرة وتتجاوز بكثير فتح الملاجئ وإلزام السكان بالبقاء فيها. فالتقديرات الإسرائيلية أنه فى حال استخدام الفصائل قدراتها الصاروخية بالكامل، فإنها قادرة على صناعة قلق بالغ على الأقل فى محيط «غلاف غزة» وما تحويه من مستوطنات فى سيدروت وعسقلان وحولهما، وصولًا إلى مدينة تل أبيب الكبرى التى صارت منذ سنوات داخل دائرة الاستهداف والقدرة الصاروخية الفلسطينية. فى الجنوب باتجاه صحراء النقب، فهى منطقة مفتوحة ومرشحة أيضًا بقوة أن تكون مسرحًا للرد الصاروخى الفصائلى، وداخلها مدينة بئر سبع وعدد من المستوطنات المهددة على نحو كبير وقدرات الوصول لها يسيرة، لكن تظل الوجهة الشمالية لقطاع غزة هى الأكثر تفضيلًا بالنسبة للاستهداف الفلسطينى.

فى مايو ٢٠٢٢ فاجأت كتائب القسام الجناح العسكرى لحركة حماس إسرائيل، بصاروخ «عياش ٢٥٠» الذى استهدفت به «مطار رامون» على مسافة ٢٢٠ كيلومترًا من حدود القطاع الشمالية. ومثل هذا مفاجأة قاسية حينها، وتلقت بعدها منظومة «القبة الحديدية» الإسرائيلية انتقادات قاسية لإخفاقها فى التعامل مع هذا الجيل الجديد من الصواريخ الفلسطينية. فما بين «قسام ١» و«عياش ٢٥٠» راكمت فصائل المقاومة فى غزة الكثير من خبرات التصنيع والتركيب مكنتها من التغلب على تحديات ومعوقات نقص الإمكانات، حتى نجحت فى تطوير قدراتها العسكرية الذاتية بإمكانات بسيطة ومتداولة ويسهل توفيرها داخل القطاع، من خلف ظهر الرقابة الأمنية الإسرائيلية المشددة. لهذا تتكتم الفصائل الفلسطينية على ما تنتجه وتمتلكه من صواريخ، من الناحية العددية ونوعية ومديات وقدرات تفجيرها، كى يكون لديها فى كل مواجهة مع الجيش الإسرائيلى ما تكشفه وتفاجئه به. المفارقة أن مخلفات الصواريخ والقذائف الإسرائيلية التى استهدفت قطاع غزة خلال السنوات الماضية مثلت الـ«المادة الخام»، التى نجح الجانب الفلسطينى فى إعادة تدويرها واستخدامها فيما تسمى «الهندسة العكسية». فضلًا عن بقايا خطوط أنابيب المياه التى تستخدمها إسرائيل فى المستوطنات، ومن ثم أعادت المقاومة استخدامها لصناعة «الهياكل الخارجية» للصواريخ ذات المدى القصر والمتوسط.

قواعد الاشتباك بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية منفردة أو مجتمعة ستطرأ عليها تغيرات جوهرية فى هذه الجولة لا شك، وسيكون هناك ظهير سياسى سيحاول أن يواكب المواجهة العسكرية ليحقق مكاسب فى كلا الجانبين. لكن بمقاييس أرض الواقع ليس أمام الجانب الفلسطينى ما يخسره، تظل إسرائيل وحدها هى من دخلت تلك الجولة تحت وطأة أزمة حقيقية، والمؤشرات تذهب تجاه تعميقها، حيث لن يتوافر لها بالميدان خروج آمن مجانى دون أن تتكبد أثمانًا باهظة.