موقع هدف

سوار النار - سسالونيكى

-

«أبى، لا تبكِ، حاول أن تنسى»، «النسيان يُؤلم أكثر من التذكر، يا ابنتى»، «لن أنسى أبدًا يا أبى»، هذا الوعد الذى أعطته بياتريس ساياس ماجريزو لوالدها جوزيف، عندما أخبرها بقصة حياته، وبالجحيم الذى اختبره كرهينة فى معسكرات الرايخ الثالث، وأيضًا كفأر تجارب فى أيدى الطبيب سيئ السمعة جوزيف مينجيل الذى أجرى له عملية التهاب الزائدة الدودية دون تخدير، بعد أيام قليلة توفى والدها وكتبت هذه القصة لأنها وعدته بأنها ستفعل.

دموع والدها جعلتها تكتب الحكاية فى كتاب بعنوان «سوار النار»، تم تحويله مؤخرًا إلى مسلسل درامى يونانى يحمل نفس الاسم، سيعرض على نتفليكس قريبًا ولاحقًا على قناة ERT اليونانية.

يحكى المسلسل قصة عائلة يهودية من مدينة سسالونيكى فى شمال اليونان، ويروى الرحلة الدرامية لعائلة يهودية فى اللحظات المظلمة من القرن العشرين، فى رواية تتحد فيها الأحداث الحقيقية بمهارة مع الخيال لخلق قصة مخيفة لأولئك الذين مروا عبر ألسنة اللهب، وتمكنوا من الخروج أحياءً والوقوف على أقدامهم مرة أخرى خلال الهولوكوست.

كان والد بياتريس ساياس ماجريزو يبلغ من العمر ١٦ عامًا فقط عندما تم نقله مع عائلته، وهى عائلة من اليهود السفارديم من سسالونيكى، إلى معسكرات الاعتقال فى الرايخ الثالث. قال الوالد فى آخر لحظات حياته: «أنا لا أخشى الموت.. أخشى أنه بينما أعيش، هناك أشخاص يشككون فى الهولوكوست، هذا ما يميتنى»، ووعدته الابنة بألا تدع الناجين من المحرقة يواجهون الموت الثانى.

مسلسل درامى عن الهولوكوست بشكل عام ليس جديدًا لكن مُعتاد، هناك العديد والعديد، خاصة فى يناير تزامنًا مع ذكرى الهولوكوست، تصدر مسلسلات، وأفلام من ألمانيا وبولندا والمجر والتشيك والنمسا، والعديد من الدول التى شهدت الهولوكوست.الجديد هذه المرة أن المسلسل عن الجالية اليهودية فى اليونان، تلك التى كانت مزدهرة، لكنها لم تورد بكثرة فى الأعمال الدرامية والسينمائيةـ فى الأدبيات لا يوجد الكثير من القصص عن يهود اليونان، وقصص كثيرة لم ترو عن الهولوكوست فى اليونان.

ربما لأن الجالية اليهودية الآن عددها ليس كبيرًا، فيوجد حاليًا ٥ آلاف شخص، وتقارير أخرى ذكرت أنهم ٦ آلاف، فى الهولوكوست قُتل نحو ٦٠ ألف يهودى يونانى، مما كان يمثل ٨٣٪ من مجتمع ما قبل الحرب العالمية الثانية. فى سسالونيكى، كانت توجد جالية يهودية كبيرة قبل الحرب، تتكون إلى حد كبير من أحفاد اليهود الذين طُردوا من إسبانيا عام ١٤٩٢.

الحقيقة أن اليونان تُمجد تاريخها وتعظمه وتقدره، اليونانيون فى كل مكان يعرفون حكاية كل أثر، يروون للزائر بسرعة التاريخ الدقيق لبلدهم ليس هذا فقط، بل إن الحى اليهودى فى أثينا الذى يحوى المعبد والجمعية اليهودية يوضع تحت حماية كبيرة، والنصب التذكارى للهولوكوست فى أثينا يوجد فى منتزه كبير يطل على أحد المعابد اليونانية.

ما تلمسه بسهولة، هو أن هناك يقظة ما فى اليونان حول الهولوكوست، فى السنوات الأخيرة، أعادت اليونان ربط الاتصال بماضيها اليهودى المنسى منذ زمن طويل، حيث سيتم بناء متحف يهودى كبير فى سسالونيكى، المشروع ممول جزئيًا من ألمانيا.

رئيسة جمعية الصداقة اليونانية الإسرائيلية أعطت تصريحات حول أسباب يقظة اليونان واهتمامها بتاريخ يهودها، قالت جيانا باناجوبولو إن الهدف هو توعية الأجيال الجديدة، قائلة: «لا يمكن حظر اللاعقلانية، ولكن يمكن هزيمتها»، وأشارت إلى أهمية التعليم للحفاظ على ذكرى الهولوكوست، وأضافت أن «معرفة الهولوكوست لمواطنينا وكذلك وجودهم على مدى قرون فى المنطقة اليونانية يجب أن تنتقل إلى تعليم وثقافة اليونانيين اليوم».

فيما أشارت «جيانا» إلى أن معاداة السامية لا تنتهى.. نحن هناك، والحكومة موجودة، وهى ترد، آمل أن يفهم الجميع عن أمله أن معاداة السامية ليست شيئًا موجهًا ضد اليهود بل ضد الدولة.

كانت سسالونيكى قد شهدت عمليتى تدنيس للنصب التذكارى للمقبرة اليهودية القديمة فى حرم الجامعة ولوحة جدارية حول الهولوكوست على السياج الشرقى لمحطة سكة حديد المدينة فى يناير الماضى وفقًا لمجلس الجاليات اليهودية فى اليونان.

يمكن اعتبار الاهتمام اليونان بالهولوكوست كرد فعل عن ازدياد حوادث معاداة السامية فى أوروبا، ويمكن اعتبارها أنها يقظة يونانية بجزء خاص جدًا من تاريخها، لكن بشكل عام، الاهتمام بالتاريخ والجذور موجودة فى الحمض النووى اليونانى.