الجمعة 26 أبريل 2024 مـ 02:06 صـ 16 شوال 1445 هـ
موقع هدف
موقع هدف
موقع هدف
موقع هدف
رئيس مجلس الأمناء مجدي صادقرئيس التحرير محمود معروفأمين الصندوق عادل حسين

على أرضية الحوار

على باب قاعة الاحتفال ببدء الحوار الوطنى مازحنى صديق قائلًا: «وكأنه اجتماع لحركة كفاية وجبهة الإنقاذ»! ابتسمت للماحية الملحوظة ولكننى كنت أعرف أنها غير علمية وإن لم تخل من خفة ظل.. الحوار الوطنى مظلة واسعة اتسعت لأربعة وأربعين حزبًا من الأحزاب المؤيدة للدولة ولأحد عشر حزبًا تنظم نفسها فى إطار الجبهة المدنية ولشخصيات مستقلة قوامها مثقفون وعلماء وخبراء فى كافة التخصصات.. مشهد الحضور فى حفل الافتتاح يقول إن جهدًا كبيرًا بذله مجلس الأمناء خلال ما يقرب من عام.. وإن ثمة نقاشات كثيرة جرت وتحضيرات جادة تمت وإن هناك إطارًا من المهنية والجدية ينظم مسار الحوار.. تنوع الحضور يكشف أيضًا عن نجاح إجراءات بناء الثقة التى تمت على مدى عام وتوجتها جهود لجنة العفو الرئاسى بالإفراج عمّا يزيد عن ألف وأربعمائة معتقل انضم بعضهم للحوار الوطنى بأشخاصهم بعد الإفراج عنهم بفترة.. هناك أيضًا استجابة الرئيس الفورية لطلب مجلس أمناء الحوار بعودة الإشراف القضائى الكامل على أى انتخابات قادمة فى مصر.. المشهد النهائى عبّر عن نجاح جهود إطلاق الحوار والتحضير له عبر مسارات صعبة ومعقدة.. فمن الطبيعى أن تطرح الأطراف المختلفة ما لديها من تخوفات.. وليس صحيحًا أن أحزاب الجبهة المدنية فقط هى التى كانت لديها اعتراضات.. الأحزاب التقليدية أيضًا كانت لديها تخوفات من وجود معارضين.. وهذا أمر طبيعى.. وفى النهاية تغلب الجميع على مخاوفهم من أجل الوصول لصيغة مشتركة.. أنا شخصيًا أفهم الحوار على أنه بين القوى التقليدية فى المجتمع بمختلف أنواعها وبين أحزاب تعبّر عن أطياف من النخبة المصرية.. القوى التقليدية تتسم بالقوة والسيطرة وبتأييد الأغلبية لها.. والأحزاب المدنية تتسم بخطاب فكرى مرتفع وبصلات أكثر بالخطابات السياسية فى العالم لكنها تعانى من الضعف الجماهيرى وانعدام أدوات التأثير فى الشارع.. هناك قصة من العشرينيات تلخص الوضع.. قرر أحمد لطفى السيد أستاذ الجيل والمثقف الليبرالى أن يترشح فى دائرته فى الدقهلية.. قرر المرشح المنافس له أن ينصب له فخًا.. قال للناخبين إن الديمقراطية التى يبشر بها لطفى السيد تعنى أن يفرط الرجل فى كرامة زوجته، وطلب منهم أن يسألوا لطفى السيد هل هو ديمقراطى أم لا؟ سأل الناخبون لطفى باشا فأجابهم بأنه ديمقراطى لأقصى درجة! فحطموا الصوان الانتخابى وانتخبوا منافسه! هذه القصة لا تعنى أن طرفًا ما هو أحمد لطفى السيد ولا أن طرفًا آخر هو المرشح المنافس.. ولكن تعنى أن خطاب النخبة المصرية دائمًا ما كان بعيدًا عن الناس ومعزولًا عنهم، مع الوضع فى الاعتبار أنه لم يعد لدينا سياسيون فى قيمة أحمد لطفى السيد ولا حتى فى ربع قيمته.. من هنا تأتى أهمية الحوار.. أنه يتيح لأفراد النخبة طرح أفكارهم على من بيده التنفيذ وإقناعه بها وهو يتولى إقناع الجماهير.. هذه فرصة عظيمة إذن للمثقفين وأصحاب الأفكار.. من جهة ثانية فإن التنوع فى الحضور يعنى الثقة فى وطنية السلطة السياسية الحاكمة والاعتراف بشرعيتها.. فلا أحد يتحاور مع طرف لا يثق فى شرعيته أو وطنيته، والمعنى أن المشاركين فى الحوار وهم أغلبية كاسحة قرروا مواجهة الأزمة الاقتصادية يدًا بيد فى شكل يكاد يقترب من أن يكون جبهة واحدة.. هذه الجبهة تحتفظ الأطراف فيها بالاختلافات البينية ولكنها تعمل لتحقيق ما هو مشترك وتتحاور حول سبل تحقيق هذا، وهذا أيضًا مكسب لجميع الأطراف.. كمحلل سياسى أفهم الحوار الوطنى على أنه طريق لبناء تحالف سياسى واسع ضد الإرهاب والفساد.. وبالتالى لا أستغرب من استهداف أبواق الجماعة الإرهابية للحوار كفكرة.. بل إننى أتخذ هجوم هذه الأبواق كمؤشر مهم.. فلولا أنهم يدركون أن الحوار فى مصلحة مصر لما انزعجوا منه ولا هاجموه.. فى النهاية يمكن القول إن جلسة بدء الحوار قد أشاعت أجواء إيجابية توحى أولًا بأن هناك حدثًا سياسيًا جديدًا.. والجديد دائمًا أمر مطلوب فى حياة المجتمعات والدول.. وتوحى بأن هناك أمرًا محل إجماع من أطراف عدة.. والشعور بالتوحد وراء هدف أمر مطلوب جدًا وبالذات فى أوقات الأزمة والتحديات.. وهذا الحدث الجديد، والذى هو محل اجتماع كثيرين يثير انزعاج الإرهابيين وخوفهم، وهذا فى حد ذاته مؤشر جيد يدفع للحماس للحوار وتعليق الآمال عليه.. إذن.. فلنتفاءل خيرًا بإذن الله.